* بروكسل أ ش أ :
رغم تأكيدات المستشار الألماني جيرهارد شرودر ووزيرة الاقتصاد والعمل في بلاده بأن استمرار ارتفاع اليورو مقابل الدولار وبلوغة مستويات قياسية لا يثير أي قلق بشأن نمو الاقتصاد الأوروبي.. بل إن مكاسب ذلك سوف تأتي في المستقبل.. إلا أنه على الجانب الآخر يشكو المصدرون الأوروبيون من تكبدهم ملايين الدولارات يوميا جراء ذلك الارتفاع لعملتهم الموحدة.
ويرجع البعض الارتفاع المستمر لليورو إلى الثقة في اقتصاديات الدول الأوروبية التي لا تزال أغلبها تعاني من الانكماش والركود، بل تخطت دول كبرى منها على رأسها ألمانيا وفرنسا نسب العجز المسموح بها ضمن قواعد تأسيس الاتحاد الأوروبي والتي تخطت 3 في المائة.. فهل هذا الارتفاع في قيمة اليورو نعمة على الاقتصاديات الأوروبية كما يدعي المستشار الألماني أم أنه يذهب إلى أبعد من ذلك ليكون نقمة كما يراه المصدرون.
يقول بعض المحللين الاقتصاديين: إن الارتفاع المستمر للعملة بوجه عام لا يعبر بالدرجة عن قوة الاقتصاد أو تفوقه على ما دونه من الاقتصاديات الأخرى، مشيرين في ذلك إلى أن الارتفاع القياسي للعملة الأوروبية الموحدة أمام الدولار لا يعني بالضرورة تفوق الاقتصاديات الأوروبية على الاقتصاد الأمريكي.
ويرى هؤلاء المحللون أن هناك عدة معايير تدخل في تحديد قيمة العملة وأن الفروق في معدلات النمو الاقتصادي لا تعد هي العامل الوحيد الحاسم في تحديدها بل تدخل عوامل أخرى مثل اختلالات التجارة وفروق أسعار الفائدة والقوة الشرائية للعملة ذاتها.
ويرجع المحللون ضعف العملة الأمريكية مقابل اليورو في الفترة الأخيرة إلى عدة أسباب اولها تزايد العجز في الميزان التجاري الأمريكي والذي يتوقع ان يصل إلى 9 ،514 مليار دولار بنهاية العام الحالي حسب تقدير بعض الدراسات وهو مستوى لم يسبق تسجيله في أي من الدول الصناعية الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية.. إضافة إلى تراجع التدفقات النقدية بعد أن أصبح المستثمر أقل رغبة في توجيهه لاستثماراته إلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ظل معدلات الفائدة المنخفضة.
ويذكر أن معدلات الفائدة الأوروبية تعادل ضعف نظيرتها في الولايات المتحدة القابعة عند نقطة واحدة مئوية في الوقت الذي رفع فيه كل من بنك انجلترا المركزي وبنك أستراليا معدلات الفائدة لديه إلى 75 ،3 في المائة و25 ،5 في المائة على التوالي.
كما أرجع المحللون ضعف الدولار إلى تزايد التدفقات النقدية الاستثمارية «خاصة من الولايات المتحدة» إلى الأسواق الأوروبية بعد أن أصبحت السندات الأوروبية أكثر جاذبية لهم نظرا لكونها أكثر ربحية من نظيرتها الأمريكية.
وتجدر الإشارة إلى أن سعر الفائدة على أذون الخزانة الألمانية طويلة الأجل «10 سنوات» يبلغ 07 ،4 في المائة وفي إيطاليا 27 ،4 في المائة في حين يبلغ في الولايات المتحدة الأمريكية 8 ،3 في المائة وهو ما يولد ضغطا أكبر على الدولار.
كل هذا فضلا عن السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية بجعل الدولار ضعيفا للمساعدة في انعاش الاقتصاد الأمريكي ودعم صادراتها في الخارج.
وقد سجلت العملة الأوروبية الموحدة نهاية الأسبوع الماضي أعلى مستوى لها أمام الدولار الأمريكي حيث بلغت 2040 ،1 دولار لليورو.
ويقول كورت ماجنوس رئيس وحدة المبيعات النقدية الخارجية في مؤسسة ويست باك بانكنج في لندن: إن هناك عمليات بيع قوية تجري على الدولار الآن يقابلها عمليات شراء واسعة على اليورو.. وهو ما دفع الدولار إلى مواصلة التراجع للأسبوع الثالث على التوالي مقابل عملات اثنتي عشرة دولة أخرى بخلاف العملة الأوروبية حيث وصل إلى أدنى مستوياته في خمس سنوات أمام الجنيه الأسترليني أيضا.
ويأتي التراجع رغم تقارير الاقتصاد الأمريكي الأخيرة التي أشارت إلى تراجع معدلات البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية والارتفاع الذي سجلته مبيعات السلع المعمرة.. في الوقت الذي أفلت فيه على الجانب الآخر اقتصاد أكبر دولتين في منطقة اليورو «ألمانيا وفرنسا» الأسبوع الماضي من عقوبات مؤكدة بعد أن صوت وزراء مالية الاتحاد الأوروبي ضد فرض عقوبات عليهما بسبب اخلالهما باتفاقية النمو والاستقرار التي تنص على عدم تخطى نسب العجز فيها حدود 3 في المائة.
ويرى المتفائلون ومنهم المستشار الألماني ووزيرة الاقتصاد والعمل في بلاده أن تلك الارتفاعات التي يحققها اليورو سيخفض فاتورة الواردات الأوروبية وهو ما يؤثر إيجابيا على الميزان التجاري للاقتصاديات الأوروبية إضافة إلى تحفيز الطلب المحلي الناتج عن زيادة الدخل الحقيقي وزيادة معدلات الثقة في الاقتصاد الأوروبي.
كما يذهب هؤلاء في تفاؤلهم إلى أن ارتفاع قيمة اليورو من شأنه تدعيم الثقة في أسواق المال الأوروبية وزيادة التدفقات الاستثمارية المباشرة وغير المباشرة.
وعلى الجانب الآخر فإن ارتفاع اليورو قد يأتي بأثر عكسي على أرباح الشركات الأوروبية والذي من شأنه تقليص مبيعات تلك الشركات وضعف فرصها التنافسية في الأسواق الخارجية وذلك حسبما ذكر برند بيسشت سريدر المدير التنفيذي في شركة فولكس فاجن الألمانية.
وقد حدد الخبراء تلك الآثار السلبية على الاقتصاديات الأوروبية الناجمة عن ارتفاع اليورو إلى انخفاض القدرات التنافسية للصادرات الأوروبية التي ستواجه بصادرات أمريكية أرخص وهو ما سيؤثر على عوائد الشركات في أوروبا وبالتالي على معدلات النمو الاقتصادي الأوروبي بشكل عام.
يذكر أن الصادرات تمثل أكثر من 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول أوروبا.
ويرى الخبراء أنه مع التسليم بالقول بأن ارتفاع اليورو يعد أمرا إيجابيا في خفض معدلات التضخم إلا أن انخفاض تلك المعدلات عن حد معين قد يؤدي إلى الأضرار بالنشاط الاقتصادي بشكل عام.. وقد انخفض معدل التضخم في دول منطقة اليورو عن المعدل المستهدف والذي حدده البنك المركزي الأوروبي بنحو 2 في المائة حيث سجل 9 ،1 في المائة في مايو الماضي وهو ما يعد أمرا بالغ الخطورة في المستقبل وأشد خطورة على الاقتصاد الألماني الذي انخفض فيه معدل التضخم إلى 7 ،0 في المائة وهو ما يهدد باستمرار ركود الاقتصاد.
ويتوقع انتون بورانر رئيس رابطة البائعين والمصدرين الألمان «بيجيه ايه» مزيدا من الارتفاعات للعملة الأوروبية لتصل إلى مستوى 2300 ،1 دولار بنهاية العام الجارى وإلى مستويات أعلى من ذلك بحلول العام المقبل.
وأشار إلى أن مؤشرات ثقة الأعمال في دول منطقة اليورو التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ يونيو 2001 ساعدت في ارتفاع اليورو إضافة إلى تزايد مؤشرات تفاؤل المستهلكين.
كما يتوقع بورانر ضعف مساهمة الصادرات الأوروبية في نمو الاقتصاد خلال المرحلة القادمة وبنسب أقل بكثير من المأمول.
|