صدر حديثاً كتاب عن الضبط الاجتماعي للباحث الدكتور سليمان بن قاسم الفالح بعنوان «الضبط الاجتماعي مفهومه وأبعاده والعوامل المحددة له: دراسة ميدانية على المجتمع السعودي» وقدم لهذا الكتاب الأستاذ الدكتور ابراهيم بن مبارك الجوير أستاذ علم الاجتماع بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية حيث يقول الدكتور الجوير في تقديمه ان موضوع الكتاب من الموضوعات المهمة للمختصين ولصناع القرار من التربويين ورجال الأمن والاعلام وللأسرة وللاداريين وجميع من يهمهم أمر المجتمع وبناؤه.
اشتمل هذا الكتاب على خمسة فصول الفصل الأول تم الحديث فيه عن مشكلة الدراسة وأهميتها، أما الفصل الثاني فقد خصص للاطار النظري والدراسات السابقة، وفي الفصل الثالث تم بيان اجراءات البحث المنهجية، أما الفصل الرابع فقد اشتمل على تحليل البيانات ونتائج الدراسة، وفي الفصل الأخير تم التطرق الى ملخص الدراسة وقصورها والتوصيات والدراسات المقترحة.
ويستعرض لنا الدكتور سليمان أبرز معالم هذا الكتاب فيقول: إن المطلع على التراث الاجتماعي في المجتمع السعودي يلاحظ ان المحللين والباحثين الاجتماعيين يولون دائما دراسة الظواهر الاجتماعية التي تتعلق بالسلوك الشاذ الاجرامي أو الانحرافي أهمية متزايدة، في حين ان الظواهر التي تتعلق بالسلوك السوي لم تحظ بنفس الاهتمام والعناية.
ومن هذا المنطلق أتى الاهتمام بدراسة ظاهرة الضبط الاجتماعي دراسة علمية؛ التي تتمحور حول الاجابة على سؤال مفاده «ما الذي يجعل الأفراد أسوياء؟»، أي ما الذي يجعلهم يمتثلون للمعايير الاجتماعية؟ وبتعبير آخر لماذا لا ينحرف معظم أفراد المجتمع، في حين ينتهي الأمر بالآخرين الى الانحراف؟.
هذا وعلى الرغم من وجود بعض الدراسات والاشارات البسيطة حول ظاهرة الضبط الاجتماعي بشكل عام، فإنها دراسات محدودة، ركزت على بعد واحد من أبعاد الضبط الاجتماعي وهو الامتثال للمعايير المتشكلة من القانون، بينما هناك معايير أخرى متشكلة من القيم والعادات والتقاليد والأعراف، لا تستوجب مخالفتها ايقاع عقوبات معينة من قبل السلطة، مما يجعل الحاجة ماسة لوجود دراسات عن ظاهرة الضبط الاجتماعي بجميع أبعادها، خاصة في مجتمعنا السعودي، الذي مر بحالة من التغير الاجتماعي في نمط الحياة من الطابع التقليدي الى الطابع الحديث، وحمل معه أيضا تغيرات كبيرة أسهمت في الانفتاح المفاجئ على عالم مختلف في مفاهيمه ومعتقداته، الأمر الذي أدى الى افراز تصرفات غير مقبولة وغريبة على المجتمع السعودي، مما أصبح معه الشباب الممارسون لهذه التصرفات عبئاً على مجتمعهم، وغير قادرين على تحمل المسؤولية، ومشاركة غيرهم من الشباب المنضبطين اجتماعيا.
وتم تطبيق هذه الدراسة على عينة بلغ حجمها 681 فرداً من الأفراد السعوديين الذكور، من فئة الشباب في مدينة الرياض، الذين لا تقل أعمارهم عن 16 سنة، في سبع مجموعات هي: المدارس الثانوية الحكومية، والمدارس الثانوية الأهلية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، والمعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، ومعاهد التعليم الفني التابعة للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، دار الملاحظة الاجتماعية، ودار التوجيه الاجتماعي.
ويمكن ايجاز أهم النتائج التي توصلت لها هذه الدراسة والتوصيات المقدمة فيما يلي:
أولاً: تبين ان الضبط الاجتماعي لدى المبحوث يرتفع إذا كان تابعاً لمدرسة، وينخفض إذا كان تابعا لداري الملاحظة والتوجيه الاجتماعي، كما تبين ان الضبط الاجتماعي ينخفض كلما كثر دخول المبحوث الى دار الملاحظة.
ثانياً: أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي في الأسرة عموماً، أسهم ذلك في تحقيق مستوى أعلي من الضبط الاجتماعي. مما يعني ان المستوى التعليمي المرتفع للفرد يرتبط بدرجة وعيه وادراكه لما ينفعه ويضره ويساعد على قوة انضباطه الاجتماعي.
ثالثاً: أنه كلما تقدم عمر الطالب ارتفع مستوى الضبط الاجتماعي لديه فلاشك أن الحدث صغير السن يسهل استهواؤه والتأثير عليه، وخاصة من الأحداث الأكبر منه سناً، اضافة الى الأحداث المراهقين الذين لم تتوافر لهم الظروف المناسبة للخروج من هذه المرحلة الحرجة دون انتهاكهم للمعايير الاجتماعية.
رابعاً: ان الأكثر انضباطا من المبحوثين هم الذين ما زال والديهم على قيد الحياة، والأقل انضباطاً هم الذين فقدوا والديهم بسبب الوفاة أو الطلاق، مما يدل الى حد كبير على ان لطبيعة حياة الوالدين أثراً واضحاً في سلوك الأبناء، فمن العوامل الاجتماعية المهمة في الضبط الاجتماعي توافر الظروف الأسرية الملائمة لنمو الأبناء في بيئة سليمة، ولاشك أن فقد الوالدين أو أحدهما، بسبب الموت أو الطلاق، يعتبر من العوامل الأساسية التي تؤدي الى ضعف الضبط الاجتماعي في المجتمع.
خامساً: أظهرت الدراسة وجود علاقة طردية بين الضبط الاجتماعي ومستوى تدين رب الأسرة، فكلما كان رب الأسرة متدينا زاد الضبط الاجتماعي لدى الأفراد، مما يؤكد ان الدين من أهم عوامل الضبط الاجتماعي، فهو يحث على الاستقامة وعدم انتهاك المعايير السائدة، فرب الأسرة الذي يحرص على تربية وتنشئة أبنائه وفقا لتعاليم الدين الاسلامي الحنيف، فإن ذلك سيكسبهم تلك التعاليم ويجعلهم ممتثلين لمعايير المجتمع، الأمر الذي سيسهم بدرجة كبيرة في انضباطهم اجتماعياً، ومن هذا المنطلق فإنه يمكن التوصية بحثّ أرباب الأسر على التمسك والالتزام بقواعد الدين الحنيف، وأن ذلك سوف ينعكس ايجابيا على انضباط أبنائهم اجتماعياً، وذلك من خلال بث التوعية بذلك عبر وسائل الاتصال الجمعي.
|