Wednesday 3rd december,2003 11388العدد الاربعاء 9 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

البوارح البوارح
تشويه رموز التاريخ عبر الفضائيات
د.دلال بنت مخلد الحربي

عرضت بعض الفضائيات العربية خلال شهر رمضان الكريم مسلسلات تاريخية حظي بعضها بإقبال المشاهدين ومتابعتهم، لعل من أهمها مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي تضاربت الآراء حول شخصيته، وتباينت المواقف اعتماداً على ما تورده كتب التاريخ من معلومات كثيرة عنه إيجابية وسلبية، ولكن الأمر المؤكد أن الحجاج كان من الشخصيات المؤثرة في العصر الأموي.
ولو عدنا إلى مسلسل الحجاج سنجد توجهاً واضحاً نحو إبرازه بصورة مشوهة ومن خلاله جرى تشويه تاريخ الدولة الأموية، فهو ظالم ومتجبر ويكاد يكون مختلاً، رسمت صورته بطريقة كاريكاتورية، فهو إنسان غير متزن يأتي بحركات مضحكة، يميل إلى الجبن.
وبعودة إلى كتب التاريخ نجد شخصية أخرى فهو قائد محنك، وحاكم يسعى إلى فرض الأمن والنظام، يحارب الخارجين على الدولة بكل قسوة، يحسن اختيار القادة، له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في توسيع رقعة الدولة الإسلامية في المشرق الإسلامي، ثم هو صاحب أعمال حضارية، له دور كبير في وضع الأنظمة والعمران.. والمعلومات السلبية عنه تحتاج في كثير من الأحيان إلى تمحيص وتدقيق لقرب بعضها من الأساطير، وإن كنا لا نستطيع القول إنه كان حاكماً ملتزماً بالعدل التام.
لقد عمل المسلسل الذي عُرض في رمضان على ترسيخ الصورة المشوهة عنه عند عامة الناس، بل وعند خاصتهم في بعض الأحيان، واقترف مُعد الحلقات أخطاء كبيرة يبدو أنها جاءت متعمدة ومتقصدة فغاب عن العمل الجانب الحيادي.
إن من الأمور التي تحز في النفس أن يعرض لتاريخنا وفقاً للأهواء، وأن تصور الشخصيات التاريخية اعتماداً على خلفيات مذهبية وعقدية تصب توجهاتها في مسار مخالف للحقائق، والمؤسف أن تتلقف الفضائيات مثل هذه المسلسلات فتعرضها دون أن تتحقق من مصداقيتها، فتسهم في عملية التضليل وتعين على إشاعة السلبيات وتفخيمها، وليس الحجاج وحده الذي أُسيء إليه على الفضائيات، فمن خلال المسلسل الذي حمل اسمه نجد تعريضاً بشخصيات إسلامية أخرى مثل الخليفة عبدالملك بن مروان وهو تابعي وفقيه، وبخليفة آخر له مكانة شامخة في تاريخنا ألا وهو الوليد بن عبدالملك.. ولا أدري كيف أجاز مُعد المسلسل لنفسه أن يثبت كل ذلك الكم من الكراهية والبغض للحجاج أولاً ثم للخليفتين عبدالملك بن مروان والوليد بن عبدالملك، ولا شك أنه كشف بفعله روحاً عدائية للدولة الأموية التي انتشرت في فترتها دولة الإسلام من حدود الصين في آسيا وإلى سواحل المحيط في الشمال الأفريقي، ثم في أوروبا ممثلة بإسبانيا وأجزاء من جنوب فرنسا وهو أكبر مد شهده الإسلام في ظل دولة واحدة خلَّفت لنا موروثاً حضارياً نعتز به إلى اليوم.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved