وعد السيد أنور السادات باتخاذ الحيطة والحذر من غدر العدو المتربص على الحدود بعد ان راوغ خلال سبعة أشهر مضت من الالتزام بقواعد معينة يتم بموجبها فرض سلام دائم في المنطقة يقترن به انسحاب كلي أو جزئي من المناطق العربية المحتلة، وكانت إسرائيل دائماً تصرخ وتنتحب أمام الرأي العام العالمي مطالبة بالسلام وإنهاء حالة الحرب، ولما أصبح هذا المبدأ مرغوباً فيه من جانب العرب عاودت التلكؤ في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي.. فهل سيعاود الرأي العام العالمي العطف على إسرائيل كما كان يساندها ردحاً طويلاً من الزمن على اعتقاد خاطئ من كونها حملاً وديعاً يرنو إلى السلام ويمقت الحرب ودمار الأرض وهلاك البشر؟؟
إن موقف العرب المعتدل أخيراً عرى إسرائيل وكشف للعالم معتقدها بعد ان سقطت الأقنعة التي كانت تتوارى من خلفها بعدما وقفت التصريحات الرعناء التي تستمد منها سلاحها في الدعاية واستدرار عطف الشعوب الأخرى وانجذابهم إلى جانبها.
لم يعد عربي واحد يقف ليهدد أو ينذر بما لا يستطيع فعله ضد إسرائيل، وإن ما يقوله العرب اليوم وينادي به زعماؤهم هو ما يصفق له الغرب والشرق، بل هو ما قرره مجلس الأمن الدولي غداة حرب الخامس من يونيو من عام 1967م الذي هو المطالبة باسترداد الأرض المغتصبة وشجب العدوان الذي يجب الا يجني صاحبه ثماراً لعدوانه ولا خلقاً لحق أساسه باطل..إن هذا الموقف العربي المعتدل مبعثه التفاهم التام والتنسيق بين الزعماء والساسة العرب، ولم تعد الكلمة لشخص واحد يصول ويجول في متاهات الفكر السياسي والعسكري المتهور.
لقد أصبح للعرب لمواجهة قضاياهم فكر عربي موحد مهما اختلفت مطامع افرادهم أو تناقضت مصالح شعوبهم داخل اقاليمهم الضيقة.. فمعالجة القضايا الاقليمية يتحد فيها الرأي وتركز لها الجهود تحسبا لتناقضات قد تشذ بقضاياهم وتبعثر قواهم.
لقد وقعت إسرائيل تحت هذا التنسيق الجديد في حيرة تعذر معها وجود فرص للعبث بمفاهيم الرأي العام الدولي، ولم يعد أمامها سوى الانصياع لقرار المنظمة الدولية والا تنكبت طريق الحرب وهو صعب رغم ان إسرائيل مدعومة دائماً في مجاله.. ولكن السلاح الذي انحسر عنها أو يكاد هو القوة المعنوية التي كانت تساندها في عدوانها المستمر على العرب.
فلن تطول مراوغة العدو بعد اليوم، فالمشكلة التي يواجهها هي الاختيار بين الاسلوبين في الوصول مع العرب إلى حل حاسم.. لأنها تعلم يقينا ان انسحابها مما احتلته من الأرض لا يعتبر في نظر العرب الحل النهائي لأن قضية اللاجئين تعد بعد الانسحاب الغاية المنشودة وهي السبب الكامن وراء هذا النزاع الطويل مع إسرائيل.. فلا سلام بلا عودة أصحاب الأرض الحقيقيين.. ولقد ركز على هذا المفهوم جلالة الملك فيصل المعظم في تصريحاته الأخيرة عن المدى الذي يحققه الانسحاب الكلي عن الأرض المحتلة كوسيلة للسلام.
|