قررت في هذا العام زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لي ما أردت وذلك في يوم الاثنين 22 رمضان بعد أن سألت الفندق عن مواعيد الزيارة للنساء وأفادوني بأنها من السابعة إلى الحادية عشرة صباحاً، ومن الواحدة إلى الثالثة بعد الظهر، وكنت قبل الواحدة أنا وألوف من النساء نتجه إلى مكان الزيارة بعد سؤال جميع العاملات في المسجد عن الطريق، حيث لا علامات واضحة تشير إلى مكان الزيارة، هذا وأنا من مواطنات هذا البلد، فكيف بالقادمات من كافة أنحاء الأرض واللاتي لايتحدثن العربية، المهم إنني وجدت الألوف من النساء ينتظرن في مكان الزيارة فانتظرت معهن. وتجاوزت الساعة الواحدة، ثم الواحدة والربع وبدأت النساء يتدافعن إلى الأمام ويضربن الحاجز الذي أمامهن وبدأ الهياج والاحتجاج والصراخ حتى الساعة الواحدة والنصف تقريباً حيث بدأت بعض النساء بالقفز من فوق الحاجز الخشبي واحدة تلو الأخرى وعندها رأيت جندياً يرتقي قاعدة أحد الأعمدة ليشير إلينا بيده إلى اتجاه معين، وبعد مجادلات بين النساء واللاتي أبى بعضهن التحرك من مكانهن ظناً منهن بأن تلك خدعة لإبعادهن عن المكان الصحيح.
إلا أن البعض وكنت من بينهن امتثلن لتلك الإشارة المبهمة، ووصلت بعد ذلك إلى بدايات الروضة الشريفة ولا أعلم كيف تم ذلك ولم أرَ شيئاً من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كل ما رأيته شراشف بيضاء، ثم كان هناك أيضاً حجر آخر حيث يتم دخول النساء تدريجياً إلى الروضة الشريفة، وبالرغم من أن هذه الفكرة جيدة، إلا أن تنفيذها بهذه الطريقة خاطئة، حيث تم احتجازنا دون أن نعرف لماذا؟ وعندها بدأت أسأل إحدى المسئولات والمحتمية بأحد الأعمدة لماذا احتجزتمونا هنا؟ فأفادتني بأننا سندخل للروضة الشريفة تدريجياً، فقلت لها لماذا لم يشرح هذا الأمر لأولئك النسوة الصاخبات، فأفادتني بأنها لا تستطيع أن تتحدث عبر الميكرفون ولا أن تكشف عن وجهها لتتم قراءة شفاهها لأنها منطقة رجال ومحاطة أيضاً بكاميرات تصوير، ودار كل هذا الحوار ونحن في الانتظار، وأنا بين أولئك النسوة واللاتي يكدن أن يقتلن بعضهن من شدة الازدحام والهياج، وكانت أمامي امرأة آسيوية صغيرة الحجم والسن وتحمل طفلة بيدها.
وقد مددت لها يد المساعدة في إحدى المرات عندما سقطت هي وطفلتها أرضاً، والله وحده يعلم ماذا كان سيكون مصيرها تحت أقدامهن، وقمت مرة أخرى بالتحدث مع المسئولة هناك بخطأ تلك الطريقة المتبعة وأن هؤلاء النسوة مهتاجات لعدم معرفتهن بما يجري وأن هياجهن وأفعالهن هذه كادت أن تودي بحياة هذه المرأة وطفلتها دهساً، فأفادتني بأن الزيارة ليست واجبة على هذه المرأة، فسألتها وهل يمكنني أو يمكنها الآن التراجع فأجابتني بالنفي القاطع، ووجدت فعلاً أنه من سابع المستحيلات مواجهة أولئك النسوة للخروج بسلام، وليس علينا سوى الانتظار والدعاء إلى الله بالنجاة مما نحن فيه من كرب، ولكنني طلبت منها بإلحاح إنقاذ هذه المرأة وطفلتها، وعندها قامت بمناداتها وأوقفتها بجانبها والاحتماء بالعمود معها، وفي هذه اللحظة فرج الله كربتنا وسمح لفوج منا بالدخول إلى الروضة الشريفة وكنت من ضمنهن، تقبل الله منا ومن جميع المسلمين صيامنا وقيامنا وزيارتنا إنه سميع مجيب.
وهنا أود أن أطرح اقتراحاً يتمثل في ضرورة أن تكون هناك علامات مكتوبة باللغات الحية تدل النساء على مكان الزيارة، مع وضع شاشات صغيرة (مونتر) تشرح الاتجاهات للروضة الشريفة ولقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، والتنظيمات المعمول بها في تلك الفترة للسيطرة على الهياج والتدافع اللذين يؤديان إلى ما لا تحمد عقباه.
كما أرى زيادة عدد الساعات المخصصة لزيارة النساء فعدد النساء الزائرات يماثل عدد الرجال الزائرين ولكن خصص لهن فقط حوالي خمس ساعات في اليوم وأوقاتها من أصعب الأوقات غير المريحة.
وأرى أيضاً إعطاء دورات تدريبية للمسئولات في الحرم النبوي الشريف بفن المعاملة، حيث إنه ليس من المنطق أن يكون تصرفنا تجاه امرأة وطفلتها أتت من آخر الدنيا لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة في الروضة الشريفة، متحملة مشاقاً لا يعلمها إلا الله، وفي لحظة تكاد تموت فيها أن نتفرج عليها وكل ما نقوله إن الزيارة ليست واجبة عليها، عوضاً عن التفكير في محاولة إنقاذها في تلك اللحظة.
آمل من مسئولي الحرم النبوي الشريف أخذ ذلك بعين الاعتبار والله الهادي إلى سواء السبيل.
|