ولم يدنس الخوف شبراً من ثوبها، بسقت الرياض وأورقت فرحاً وأنواراً، واستعادت لغة الفرح القديم، اللغة الفطرية التي يمارسها جميع البشر خلال مواسمهم، اللغة التي تكرس لملامح الهوية وتثبتها.
الاحتفال بالأعياد هو ترسيخ لهوية الأمة، تطهير وحفاظ على دروب الفرح والابتهاج، أن تنخرط المدينة في مهرجان للفرح بجميع أفرادها جميع هذا يصنع سوراً منيعاً يمنع عنها تسول مناسبات الآخر وأعياده، الأطفال حينما تزركش البالونات والألوان سماء مدينتهم، عندها لا ينساقون بسهولة لأعياد الآخر ومناسباته طمعاً في فرح مزيف.
الرياض شقت عنها حقبة البوم ونعيب المقابر واختارت الحياة كخيار أكيد ونهائي يقارع الغربان التي ظلت تنعق في أركانها لسنين طويلة، تستل منها هويتها وتختار لها حصاراً يشبه ثلاجات الموتى.
كانت الرياض مستغرقة بفرحها، على الرغم من شياطين الظلام وآكلي لحوم البشر وملتهمي أجساد الأطفال، بل كانت الرياض مصممة على قانون الفرح الذي يرمم أشلاء الأمن التي بددتها فرقعة وجلجلة أصواتهم التي لا تنقطع وسخطهم وتجهمهم وبشارة الموت الدائمة التي يقذفونها فوق الوجوه ويكبلون بها الأجساد، عداؤهم الدائم للحياة للكون لعماره، واختيارهم للقبور وثقافتها تماما كالغربان والبوم.
كانت الرياض موغلة في طريق عيدها، كأسيرة ظلت في قلاع الكآبة والوحشة لسنين طويلة، ومن ثم عادت لتكتشف دربها باتجاه أهلها.
لم يستطيعوا أن يلقوا بظلالهم الغامقة على نور جبهتها، لم يستطيعوا اختلاس شبر واحد من ثوبها الذهبي الذي نشرت أطرافه في اليوم الأول للعيد، لم يستطيعوا اختطاف قطرة من طوفان الفرح في قلوب الأطفال وهم يشاركون الرياض أعيادها.
الرياض طليقة حرة.. الرياض عادت لنا.
|