Tuesday 2nd december,2003 11387العدد الثلاثاء 8 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نساءٌ ثرثارات رجالٌ صامتُون؟ نساءٌ ثرثارات رجالٌ صامتُون؟
أنور عبدالمجيد الجبرتي

نقلت وكالة (رويترز) للأنباء خبراً يفيد بأن العلماء والباحثين في مجال العلوم العصبية والسلوكية اكتشفوا السبب وراء نزوع الرجال إلى الصمت، والنساء إلى الثرثرة، وهذا بالطبع يؤكد قناعتهم المسبقة، أي العلماء بأن الرجال صامتون والنساء ثرثارات.
* خلال فترة طويلة من العقود الثلاثة الفائتة، كان من غير اللائق اجتماعياً وسياسياً أن تسأل مثل هذا السؤال، أو تبحث عن مثل هذه الإجابة. فمواضيع البحث العلمي والأسئلة المطروحة على بساط البحث محكومة بالقيم الاجتماعية السائدة، والذين يعتقدون أن مواضيع البحث العلمي وأسئلته وإجاباته أمور مجردة من الاعتبارات السياسية والقيمية أناسٌ واهمون، فالبحث العلمي ورجاله ومؤسساته جزءٌ من المنظومة الاجتماعية بما تفرضه من تفضيلات وما تخصصه من موارد وما تقبله من أسئلة وما تهضمه من إجابات.
* لم يكن من المقبول اجتماعياً أن يتحدث الناس في لقاءاتهم المتحضرة عن أية فروقات أو اختلافات بين المرأة والرجل. فحركة تحرير المرأة كانت حركة متطرفة، مخيفة، والشعارات التي كانت تطرحها، والمضايقات التي كانت تمارسها كفيلة بتدمير المستقبل السياسي، وفرص الترقيات الأكاديمية لأي مغامر يسأل السؤال الخطأ، أو يتسلى بالبحث عن الإجابات الخاطئة. والحكمة السائدة والصحيحة، اجتماعياً وسياسياً كانت تقول إنه ليست هناك فروقات حقيقية بين الرجال والنساء رغم الحمل والرضاعة وإعلانات المناشف الصحية وأحمر الشفاه والأحذية ذات الكعوب العالية.
* والبحث المذكور يؤكد أن خارطة دماغ الرجل وخارطة دماغ المرأة تشيران إلى جود اختلاف بين الخارطتين كما تظهره أجهزة تخطيط الدماغ، وأجهزة الرنين المغناطيسي، وباختصار فهذا التحرّي الجغرافي الدماغي يفسر لنا ويشرح ويؤكد ثرثرة النساء وصمت الرجال.
* النساء، وإن ثرثرن، لا تؤذي ثرثرتهن كثيراً، أما الرجال فيصمتون دهراً وينطقون ذعراً وسخطاً، ومصائب العالم الكبيرة كانت بسبب كلام الرجال الصامتين، وكثير من المشاكل في الحياة والمجتمع، كانت بسبب كلمة واحدة، قالت لصاحبها دعْني ولا تتلفظ بي، وليت الرجال يثرثرون كالنساء، لكنهم يتوقفون عن إثارة الحروب، والنزاعات بكلامهم القليل الخطير، والمصيبة المعاصرة التي يتجاهلها الباحثون هي أن الزمان ابتلانا بالثرثرة الرجالية المتدفقة الخطيرة مع فقدان الأنوثة البريئة المسالمة والكلام الناعم الكثير.
* (وِلْيم باري)، كاتب ال(نيويورك تايمز) الساخر، يعلِّق على استنتاجات أخرى ل«خارطة الطريق» الدماغية عند الرجال والنساء، عندما يشير إلى استنتاج الدراسة المذكورة بأن هناك سبباً دماغياً وراء قدرة المرأة على ملاحظة الأوساخ الدقيقة والقذارات الضئيلة، وعجز الرجل عن ذلك، فالرجل لا يلاحظ الغبار في المنزل أو مكان العمل ، إلا إذا كان بكمية تكفي لبناء سور (برلين)، أما المرأة فلها قدرة تِلِسْكُوب (هايل) في رؤية أصغر ذرة تراب على المائدة الزجاجية، أو في أرضية (البانيو). وكثيراً ما تثور مشاكل عائلية عندما يفشل الرجل (لأسباب دماغية) في ملاحظة تسريحة شعر زوجته المختلفة، أو فستانها الجديد، أو أن أثاث غرفة الجلوس قد تمت إعادة ترتيبه، بينما تلتقط المرأة أصغر نتوءات مشبوهة في ربْطة العُنق أو رباط الحذاء.
* لكن (وليم باري) قد يستغرب كيف تستطيع المرأة أن تكون بهذه المهارة في ملاحظة القذارات الضئيلة، بينما نرى كثيراً من النساء يتزوجن رجالاً لا يختلفون عن براميل قمامة متحركة، والتفسير هو أن المرأة مخلوق صبور، يضحي كثيراً من أجل الإنسانية، وأن غريزة الأمومة المتأصلة تجعلها تدفع الثمن الباهظ، وتغمض عينيها، فالغاية السامية للأمومة وخدمة الإنسانية تبرر قبول بعض أكوام الزبالة.
* عندما ظهر كتاب (الرجال من كوكب، مَارْس، والنساء من كوكب فِينُوس) قرأه الملايين من الرجال والنساء الباحثين عن تفاهم أفضل وسلام دائم، أو حتى هدنة مستقرة بين الجنسين على هذا الكوكب الجميل، وقد استفاد من ذلك الكتاب كثيرون، اقتنعوا فعلا بأن هناك اختلافات يجب أن نفهمها ونأخذها في الاعتبار، دون أن يمس ذلك طبعاً قواعد العدالة، والمساواة وضمان الحقوق ودون أن يؤدي ذلك إلى فوقية أو امتهان للكرامة.
* وفي إطار الثرثرة والصمت، يقول الكتاب إن صمت الرجل في حضور زوجته ليس تعبيراً عن السخط أو الغضب أو التذمر، ولكنه انسحاب الرجل إلى (كهفه) ورغبته في أن يتركه الآخرون لشأنه، كما أن ثرثرة المرأة هي مجرد رغبة في الحديث والبحث عن إنسان يستمع إليها وليس نقاشاً منطقياً، أو جدلاً أو إثارة للمشاكل وأن كلاً من الزوجين، سيعيش حياة سعيدة، إذا استمع الرجل باهتمام أو تظاهر بالاهتمام عندما تتحدث المرأة وصبرت المرأة قليلاً على صمت الرجل (إذا عثرت عليه هذه الأيام، صامتاً أو متكلماً).
* ومع ذلك فأنا أريد أن أختم فأقول: إنني لا أعرف ولم أصادف نساء ثرثارات، بينما أشاهد وأسمع كثيراً من الرجال الثرثارين، وإذا كانت فرضية أن النساء ثرثارات والرجال صامتون، فرضية صحيحة، فإنني أفضل ألف امرأة، ثرثارة على رجل واحد، يصمت دهراً، ثم يتحدث سُخفاً وسخطاً وُنكراً، أو على رجل جَبلٍ، صامت، شامخ يتمخَّض زمناً ثم يلد فأراً.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved