قال لنا طبيب الأسنان: إن ضرس الرجل مصاب بتسوس قديم تمكن من العصب فأحدث للفك خراجاً ولابد من قلعه! قلنا له: لعل في الإمكان علاج تسوسه وحشو فراغه؟!.
قال الطبيب: لا أمل في علاجه، لابد من قلعه! قلنا له: هل درست حالته وعرفت أمراضه وتحققت من عواقب الخلع؟!
قال: نعم، فالعيادة تملك أحدث الأجهزة التقنية وأمهر الأطباء، ولا خوف من الخلع، وسنضع للرجل بديلاً عن الضرب المسوس، سناً من العاج سهل الفك والتركيب يُخرجه المريض متى شاء ويُنظفه كما يشاء!.
قلنا لطبيب الأسنان لا تُبسط الأمور إن الرجل مصاب بمرض الضغط وأمراض أخرى متنوعة ولا نطمئن لعملية خلع ضرسه!.
قال: لا، إنني في عيادتي الحديثة أملك من الأجهزة التقنية الحساسة والأطباء المهرة والمعلومات التقنية الحساسة والأطباء المهرة والمعلومات الدقيقة ما يجعلني مطمئناً إلى صحة اتخاذ قراري وقد أيدني في القرار مجموعة كبيرة من أصحاب عيادات الأسنان المتعاونة معي!.
قلنا له: حوِّله على المستشفى العام، فذلك أسلم لك وله، وأخلي مسؤوليتك!.
قال: أنتم تزايدون على عيادتي ولا تثقون بقراراتي، وتعوقون مجرى اتخاذ القرار السريع والسليم بشأن مريض الضرس المسوس! قلنا له: إننا نخشي من عواقب خلع ضرس رجل مصاب بالضغط، وقد يحدث له نزيف لا تتمكن من إيقافه، وقد يصاب بغيبوبة فلا تقدر على إنعاشه، وقد يموت بين يديك فلا تستطيع إسعافه! ضحك الطبيب كثيراً، وقال: هذه أوهام صنعها الخوف ونقص الكفاءة والقدرة! لابد من الخلع، أما الحشو وقطع أعصاب الضرس فهو علاج قد جربناه سنينا ولم يحدث معه نفعاً!.
جمع الطبيب زملاءه وممرضيه وممرضاته وأحضر أجهزته، ودخل على المريض في حجرته، وفتح فمه وسريعاً قلع ضرسه!! وأخذ المريض المصاب بالضغط يصرخ من شدة الألم، وأخذ الطبيب في جهد دائب يحاول إيقاف نزيف الدم، لكن محاولاته لم تنجح! وقال لزملائه الأطباء وطاقم الممرضين أن ابقوا ساهرين في العيادة، فحالة المريض تستوجب البقاء معه حتى يهبط الضغط ويقف النزيف ويهدأ من الصراخ!.
ومرت ليلة وليلتان وليال والعيادة ساهرة والطبيب وزملاؤه وممرضوه في حال همٍّ وسهر ومتابعة مع المريض النازف وأخذت العيادة في تطبيق دوام الطوارئ وإضاءة الأنوار وتوقيف الإجازات!.
واتصل بطبيب الأسنان الكثير من زملائه في المهنة فمنهم من قال: اخرج من غرفة المريض المحبط من علاجك ودعه يتصرف لشأنه! ومنهم من قال: لا تتركه فإن المسؤولية واقعة عليك! ومنهم من قال اتصل على أهل المريض ونسق معهم الموقف الصائب! ومنهم من قال اتصل على المستشفى العام واطلب نقلة لهم سريعاً وإن تعذر فليرسلوا فريقاً طبياً للتعاون معك، لوقف النزيف! واتصل الطبيب على المستشفى الذي ارسل فريقاً طبياً اسعافياً لم يقدر على تقديم عون ذي بال!.
وأخذ طبيب الأسنان يضرب كفاً بكف مهموماً محتار البال، عاجزاً عن اتخاذ القرار الصائب بشأن المريض إذ يرى أن نقله إلى المستشفى العام سيضعف سمعة العيادة ويمنعها من استحصال أتعاب الخلع والعلاج والسهر، ويحول دون تمتعها بامتيازاتها في الحي، ويؤثر على مستقبل العيادة بعامة!.
كما أن البقاء مع هذا المريض في حجرته وهو على هذه الحالة سيزيد الضغط ارتفاعاً والنزيف استمراراً والمريض يأساً وإحباطاً!.
ومازالت عيادة طب الأسنان العصرية في شارع العولمة في حالة سهر مستمر مع مريض الضرس النازف!!.
وأخيراً بدأت بوادر انصياع طبيب الأسنان عن طريق اتصاله وتنسيقه مع المستشفى العام وذلك للتخلص من إزعاج هذا المريض والفكاك من مسؤوليته، لكي ينقلوه إليهم مشترطاً عليهم الاحتفاظ بماء وجهه وعدم إغلاق عيادته أو متابعته قانونياً مع الجهة القانونية بالمستشفى العام، واشترطت عليه المستشفى تخليه عن «أحادية النظرة» في حل المسائل المرضية الصعبة وأن يأخذ رأيها وموافقتها وقرارها خاصة في مسائل الضروس المسوسة التي تحتاج إلى الخلع! وتعمد طبيب الأسنان بتطبيق دستورها مُعلنا توبته وعدم تكرار غلطته!.
|