إن ظهور المجتمع الاستهلاكي كان مرادفاً للظهور السريع للثورة الصناعية، وهو الذي اوجد جذور الأزمات البيئية العالمية.
ثم إن التقاليد المتوارثة في انماط الاستهلاك، التي انتشرت من منتصف القرن الماضي، من أمريكا الشمالية الى غربي أوروبا، واليابان، والى بعض البلدان القليلة الغنية في الدول النامية، قد جلبت معها شهية غير مسبوقة للسلع المادية.
وحيث يشكل مواطنو العالم الصناعي حوالي 20% فقط من سكان هذا الكون، بيد انهم يستهلكون 86% من الألمونيوم و81% من الورق و80% من الحديد والصلب و76% من الأخشاب على المستوى العالمي.
وإن متوسط استهلاك الأمريكي طوال حياته يقدّر بحوالي 540 طناً من مواد الإنشاء، و18% طناً من الورق و23 طناً من الخشب، و16 طناً من المعادن و32 طناً من الكيماويات العضوية.
إن التقنيات المعقدة، غالبا الآلات التي تعمل بالوقود الحضري، قد مكنت الصناعات الاستخراجية من إنتاج هذا الكم الهائل من المواد الخام وساعدت على استمرار انخفاض أسعار معظم المواد.
ولكن المعدل المتزايد لهذه الصناعات قد افضى ايضا الى ازدياد لا ينقطع للتكلفة، فلقد ادى انتاج المواد الخام الى تدمير بيئي لا نظير له خلال النصف الأخير من القرن الماضي.
يقول جون يونج في كتاب «ثورة الكفاية القادمة»: يفهم عدد قليل من أكثر طبقات سكان المدن استهلاكاً في العالم تأثيرات ومعدلات الاقتصاد الاستخراجي الذي يعتمد عليه أسلوب حياتهم.وبالرغم من الفجيعة التي يشعر بها الأهالي الذين يسكنون بالقرب من المناجم او الغابات او المناطق الزراعية، إلا ان الأضرار والدمار البيئي مازال خافياً عن عيون معظم قاطني الدول الغنية.
وبالرغم من تفهم عدد قليل من أكثر طبقات سكان المدن استهلاكاً في العالم لتأثيرات ومعدلات الاقتصاد الاستخراجي الذي يعتمد عليه اسلوب حياتهم، كما اشار الى ذلك جون يونج، فإن انتاج المواد الخام قد غيّر من الطبيعة الكونية بمعدلات تنافس قوى الطبيعة البيئة.
كما ان مواقع المناجم وأفران صهر المعادن التي لم تعد صالحة للاستعمال كثيراً ما ترتبط بوجود المعادن الثقيلة والاحماض والملوثات الأخرى، وقد تظل هذه المواقع ملوثة لعدة قرون.
إن عملية قطع الأخشاب من أجل الحصول على مواد تؤدي دوراً كبيراً في القضاء على الغابات في العالم، التي زادت بشكل سافر في العقود الأخيرة.
فمنذ عام 1950م تم القضاء على ما يقرب من خُمس الغابات الموجودة على سطح هذا الكوكب.
أما اليوم فلم يعد باقياً كغابات بكر في النظم البيئة إلا أقل من النصف الباقي، وفيما عدا ذلك فهو عبارة عن خليط من غابات نمت طبيعياً من جديد، وأشجار تم زرعها في مزارع لأغراض تجارية.
من هنا يقول آرون ساكس في كتاب «اقتصاد متواصل للمواد»: إن النظم البيئية التي تمدنا بالموارد المتجددة قد تنهار قبل نفاد الموارد نفسها بوقت طويل.لذا ينبغي للدول الصناعية ان تدعم عملية التخلص من النفايات.
ذلك لأن النفايات الصناعية غالباً ما تسبّب مشكلات اسوأ من مشكلات النفايات المحلية، كما ان كمياتها تكون في الغالب أكبر بكثير.
إنّ تفضيل التخلص من النفايات على خفض أو إعادة استخدام أو إعادة التدوير، لا يؤدي فقط الى ضياع المواد نفسها بل الى ضياع كميات كبيرة من الطاقة الموجودة في هذه المنتجات التي يتم دفنها أو حرقها.
ثم إن السياسات التي شجعت انتاج المواد الخام والتخلص السهل للنفايات، قد أعطت بالتالي الحافز الى الاسراف وعدم التوفير.. ومن السمات الواضحة الراسخة في عقول المستهلكين، ان مفهومنا للحرية يعني قدرتنا على تجاهل مدى أهمية المواد الخام في حياتنا اليومية.
ختاماً أقول: مهما اختلفت أماكن معيشتنا، فإننا غالباً، لا نضع في اعتبارنا المكان الذي حصلنا منه على المواد التي قامت عليها البنية الأساسية التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية، كم عدد المصانع والطرق والسدود التي بنيناها على مدى أعمارنا، فالقليل من الأشخاص هم الذين يعرفون فقط نتائج الاستمرار في حيازة وإلقاء السلع المستهلكة الوفيرة والرخيصة التي يغالي دائماً في تغليفها او تعبئتها.
|