Monday 1st december,2003 11386العدد الأثنين 7 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءةٌ يتيمةٌ في ابتسامة سطّام بن عبد العزيز قراءةٌ يتيمةٌ في ابتسامة سطّام بن عبد العزيز
الجوهرة آل جهجاه

  لم تكن مسحة على رأس يتيم تُشعره بالأمان، وهو مختبئ في زحام ليلة العيد خائفا من وحدته، أو تُشعره بالحنان، وهو مرتجفٌ من الفقد والوحشة، أو تُعطيه الثقة ليتقدّم من أكوام الناس التي يبدو على ظاهرها الملبس الجديد، والمشاعر الجديدة، وربما الوجوه الجديدة أيضا والمشرقة، وهو بأثواب خَلِقَة، ووجه متجعّد على مساماته من الحزن والانطواء الجبري، وروحٍ مُنخرقة لا تكاد تجتمع إلا حول ذكرى راعيها الذي ذهب فجأة، فلا تكاد تُحسن سوى السلام على روحه عن بُعد.. والدعاء لها بالرّحمة والغُفران..
لم تكن البارقة التي أخرجتها من شُحوب ذلك الحزن الساكن شيئًا خُصّتْ به، كما لم تكن مُستثناةً منها، فهي شاملةٌ للشعب المُكْرَم في هذه البلاد الكريمة.. ففجأةً، وفي لحظةٍ لا تخافُ فيها أنْ ترقُب أفراح العالم من خلف الشاشة التي تخبّؤها عنهم.. في ساحة العدل.. كانوا يفرحون، ذلك الفرح المباح، ذلك الفرح الذي تجتمع عليه القلوب الصافية من القيادة والشعب معًا كفرح رجل واحد.. وكانت الشاشة تركّز على تعبيراته، التي كانت تعيش اللحظة الحاليّة بفرحها وبساطة تعبيرها الأصيل عنه، فكان يبتسم حينًا بما يُفِيض على المساحات كلّها ابتسامات صغيرة تقرأ معنى العيد في قسماته.. وكان، أحيانا، يُفكرّ بعيدا خارج أفراح الساحة، وهو لم يفارقها في الوقت ذاته.. في العرضة.. دقائق.. وفي أستاد صاحب السمو الملكي، الأمير: فيصل بن فهد رحمه الله كان يبسط ابتسامته تلك.. وكان في خلَده همومٌ جسام؛ إذ إرهابيّو الشّيطان ما زالوا يطمعون في هتْك أمن هذه البلاد الوادعة، وكسر الخيط الروحي والفكري الذي يشدّ حبل الوتين ما بين الأُسرة المالكة القائدة أدام الله عزّها وسؤددها وبين المُواطنين المخلصين الموحّدين على طريق الاستقامة والرّشاد !
كانت ابتسامته تجعلني أبتسم، تجعل حماستي للفرح الجديد تبتسم، للثّقة وطرْح الخوف، فكم من الأشخاص باتوا ليلة العيد وصباحه خائفين من عملٍ تفجيريٍّ إجرامي، فحاروا.. هل يحضرون مشهد صلاة العيد في المسجد؟ هل يقطعون الشوارع إلى أقاربهم؟ هل سيعيشون يوم العيد كاملا؟ أم ستقضي بعض الأرواح؟!.. كثير من المخاوف والوساوس الشيطانية التي أجهضت أفراح بعض الضِّعاف؛ فكم كانت القوة والشجاعة والتشجيع بأنْ قامت أفراحُ الرياض في ليلها الأوّل، بل بأنْ ضرب فارسها مثلاً يُحتذى في الصدق، والصفاء، والوفاء بالكلمة، وبأمانة حماية فِكر المواطنين وأرواحهم من الدّاء الترهيبي الذي يسعى المجرمون لزرعه في الأفكار والأنفس؛ فما شَهِدتُه عبر التّلفاز كان نموذجا عمليا لحماية الأمن الفكري للمواطن السعودي؛ إذ تنقّل صاحب السمو الملكيّ، الأمير سطّام بن عبد العزيز حفظهُ الله وأثابه بين مواقع الاحتفالات مُشاركا المواطنين، وهو يدوس على آمال المجرمين المختبئين في أوكار الغدر والانسلاخ من رقعة الإسلام المتينة !
كان ذلك الدرس سِوارَ الفرح الذي وزّع إلى شرايينها معنى جديدا وخاصا جدا للعيد؛ فهو ليس شيئا نشتريه ونُسبله علينا، إنما هو قبس من نور الرحمن، مشعل يهدي به القائد شعبه، مشعل ليس من أيّ محلٍّ تجاري، وليس من صُنع أيّ فنّان محترف للمعادن الأرضية القاسية البالية.. إنه مشعل نبَع من روح صادقة، مُحِبّة، مسلمة، مِقدامة بالخير، واللّين، والوداعة، وأكبر من هذا أن تلك الروح القائدة قدّمت روحها فداء؛ لكي يستوعب المواطنون هذا الدرس، فما لم يدركوا معناه مما سمعوا، هم أحرى بأن يدركوا معناه مما شاهدوا، ويتداركوه في أنفسهم؛ فبأيّ روحٍ خائنةٍ يرى المجرمونَ القيادة تؤثر سلامة المواطنين الروحية والفكرية على حياتها، فيأتون، وهم مواطنون مجرمون، ليؤثروا دمار وتقتيل هذا كلّه؟!!!!!
عند ما فكّر اليتيم هكذا عشيّة العيد، زالت أحزانه ومخاوف وحدته وذلّه، فالله قد استردّ عاريّته مُخلِّفا له رُحماء حيثما أبصر وتبصّر، وحمد الله أنّ آلةَ الفكر والتدبر لم تَمُتْ في عقله مثلما ماتت في عقول المجرمين، أو تكاسلت ونامت في عقول مَن لا يتحسّسون مصادر القوة الشامخة في بلدهم وقيادتهم وأعيادهم، تلك القيادة التي لم تبخل بأسرار تميّزها الروحي، والفكري، والعملي، فوهبتها لمن يعي الهبات ويُكرمها في أشكالها التي لا تُحصى ولا تُعد؛ لكي يكون كل مواطن مِثالا للإسلام الحق، والبلد الطاهر، والقيادة الرحيمة الشّجاعة الراشدة في ذاته، ليكون كل مواطن قائدا لذاته وأهله وما في حِماه على أحسن طريق في المنهج الإلهي المستقيم الذي تنتهجهُ المملكة العربية السعودية، لكن هل هناك مَن يقرأ الوجوه، فيفهم مخَابِر الفضيلة فيها والشجاعة في الحق؟ فنحن نحتاج تعلُّم قراءة الفضائل الإسلامية أكثر مما نحتاج قراءة المساوئ الإجرامية؛ لكيلا نأسى، ونخاف، ونضعف، وننطوي على أحزاننا العابرة من قَدَر هو ملك لذي العرش المجيد وحده، أو من عبثِ حثالة سيحرقها ضوء النهار !.
وأخيرا..


«سَلاَمًا، يَا رُبَى بَلَدِيْ
أَبُوْسُ التُّرْبَ لِلْجُدَدِ
وَأَحْمَدُ رَبَّنَا أَمَرَا
بِإِحْسَانٍ إِلَى وَلَدِ
يَتِيْمٍ فَاقِدٍ أَبَتًا
وَأُمًّا فَقْدُهَا كَمَدِيْ
ِيَوْمٍ غَادَرَا أَمَلاَ
بِعَوْدٍ مُسْعِدٍ لِغَدِيْ
وَكَانَ الْمَوْتُ قَاطِرَةً
تُرَاقِبُهُمْ عَلَى رَصَدِ
فَمَا عَادَا وَلاَ سُمِعَا
وَلاَ غَابَا عَنِ الْخَلَدِ
يَحَارُ الْقَلْبُ فِيْ قَلَقِ
وَأَدْعُوْ سَائِلاً رَشَدِيْ
صَبَاحٌ هَلَّ فِيْ حَذَرِ
وَعُجْبٍ مِنْهُ مُحْتَشِدِ
فَطِرْتُ أُسَائِلُ الْخَبَرَا
وَمَا رَدٌّ سِوَى صَدَدِ
وَإِشْفَاْقٍ عَلَى أَسَفِ
فَدَوَّى صَارِخًا جَلَدِيْ
عَلِمْتُ الْيُتْمَ مُنْعَقِدَا
عَلَى نَحْرِيْ بِلاَ هَوَدِ
كَنَارٍ تَصْطَلِيْ مَرَرَا
وَتَشْرِيْدًا كَمُنْطَرِدِ
وَمَا لِيْ صَوْلَةٌ أَبَدَا
سِوَى تَسْبِيْحَةٍ بِيَدِيْ
وَصَلَّيْنَا وَوَادَعَنَا
أَعَزُّ النَّاسِ فِيْ كَبِدِيْ
دُمُوْعُ الْعَيْنِ فَائِضَةٌ
وَلاَ أَدْرِيْ بِمَنْ يَجُدِ
حَنَانٌ بَاتَ يَغْمُرُنِي
وَإِحْسَانٌ بِلاَ نَكَدِ
فَجَارِيْ قَدْ بَنَى قَسَمَا
بِأَنْ يَبْقَى فِدَا رَغَدِيْ
فَمَا جَافَى وَلاَ نَسِيَا
وَأَسْقَانِيْ شَذَا أَمَدِيْ
وَأَعْطَانِيْ نَوَى عُمُرٍ
عَرُوْسًا تَبْتَغِيْ سَدَدِيْ
فَحَمْدًا لِلَّذِيْ وَهَبَا
لَنَا أَبَوَيْنِ مِنْ مَدَدِ»

القصيدة من «ديوان الأيتام» للكاتبة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved