عندما كانت الناس مشغولة بحرب أمريكا على العراق كنت مشغولاً بواحدة من أهم نتائج الحرب وتبعاتها وهي مصير الفنان العراقي كاظم الساهر.
بعد حرب الخليج الثانية المعروفة بحرب تحرير الكويت دخل رجل في منتصف عمره الساحة الفنية العربية بأغنية عراقية جميلة. كانت كلمات الأغنية توحي بأن صاحبها من ذوي الميول الحداثية أو على الأقل من ذوي الميول الثقافية.
ورغم كبر سنه على مطرب يكون في أول طريق الشهرة أو ربما بسبب كبر سنه تلقفته الأيدي الفنية في بلاد العرب وأجلسته على كرسي الزعامة. خلوه من الرصيد الفني السابق لم يمنع سلطات الفن العربية من ترشيحه لهذا المقعد فكاظم الساهر أسوة بكل العراقيين ضحية التآمر الخليجي على العراق ومن حقه ان يحظى برعاية خاصة. فمفهوم الستينات الناصري أسس في ثقافة العرب الحديثة أن مصدر كل مشكلة تحل بالعرب هو نفط الخليج وأهله وعليه كان يجب الاعتناء بكل المواهب التي تأتي من هذا الطريق. والموقف من أهل الخليج كان متسقاً مع الموقف الثقافي العربي العام. فأدونيس مثلا رغم كل المحاولات والدعوات لم يزر في حياته دولة خليجية. وحتى الذين كانوا يتهمون أهل الخليج بالتحالف مع أمريكا واسرائيل وانقلبوا مائة وثمانين درجة وصححوا نظرتهم لاسرائيل وأمريكا تحت دعوى الواقعية وقبلوا التطبيع معها إلا ان هذه الواقعية لم تشمل أهل الخليج.
عندما دخل كاظم الساهر رشحته الأقلام الفنية العربية أن يكون فنان المثقفين نظرا لأن تاريخ العراق يخلو من فنان يتواصل مباشرة مع الجماهير العربية كما ان تاريخ المشاركة العراقية مع العرب ارتبط بالحركة الثقافية بالاضافة الى ان كاظم الساهر كان كبيراً «في السن» على أن يكون مطرباً جماهيرياً إذاً لابد من ترشيحه وهذا منطقي أن يكون من زمرة فناني المثقفين كفيروز وماجدة الرومي «أم الصراخ» ومرسيل خليفة.
وبحس عملي عال رفض كاظم الساهر هذا التصنيف الاقصائي وقرر أن يكون مطرب الجماهير كافة. لم يجد القائمون على سلطات الفن العربي إلا الإذعان لمطلبه. المهم أنه عراقي وضحية من ضحايا أهل الخليج. ولكي تتسق نظرتهم له مع رغبته رفعوا درجة تصنيفه من مستوى راغب علامة وعلاء زلزلي الى مصاف عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب.
أي جعلوه في منزلة بين المنزلتين، ورضي هو بذلك أشد الرضا ولتأكيد انتسابه للمنزلتين قام الشاعر المرحوم نزار قباني في خضم من العواطف الجياشة بتقليده صولجان الحب الذي ترعرع في دواوينه. فأخذ يغرف من شعره ويغني دون حسيب أو رقيب مقتفياً أثر عبدالحليم حافظ وليؤكد تواصله مع الجماهير العربية العريضة ولينفي عن نفسه تهمة فنان مثقفين قام باطلاق مجموعة من الأغاني الشبابية «دلع يا عيني دلع» وغيرها من موديل علاء زلزلي.
سبق ان كتبت عن القضية ولكن مقتضيات الظروف الراهنة تحتم علينا فتح الملف مرة أخرى بسؤال عريض: ما مصير كاظم الساهر؟ ما الذي سوف يحل بهذا المطرب خلال السنوات القادمة. فالخليجيون بريئون من تهمة احتلال العراق بل ومهددون بمصير العراق في أسوأ الحالات أسوة بكل العرب.
وتحريك ورقة كاظم الساهر لن يغيظ أمريكا كما يفترض أن يغيظ الخليجيين فأمريكا بلعت العراق بما فيه كاظم الساهر نفسه.
|