أخي القارئ الكريم ماذا تعرف عن جرائم العنف والبلطجة.. وهل هما مصطلحان جديدان على مجتمعنا السعودي المتراحم؟
إذن تعال بنا نضع أيدينا على أهم ملامح جرائم العنف والبلطجة فقد أصبحتا من الظواهر الجديدة التي تطل على المجتمعات العربية ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين حيث أشار الكثير من التقارير في الدول العربية حول تفشي هذه الظاهرة المقلقة كما أشار إلى ذلك الدكتور جلال الدين عبدالخالق والدكتور السيد رمضان في كتابهما عن الجريمة والانحراف إلى أن الحوادث الناتجة عن أعمال البلطجة وصلت إلى نسب عالية وأكدت هذه التقارير أن هذه الحوادث تراوحت بين قتل وضرب أفضى إلى موت وإحداث عاهة مستديمة وخطف واغتصاب وهتك عرض.. ويشير الواقع إلى زيادة هذه الجرائم خلال السنوات الاخيرة فقد أصبح مألوفاً أن تطالع هذه الحوادث يومياً على صفحات الجرائد بعد أن تزايد اعتماد بعض الأفراد على البلطجة في استرداد حقوقهم أو سلب حقوق الضعفاء مثل (الاعتداء بالخطف أو السلب للعناصر الأضعف في المجتمع كالطفل أو المرأة أو المعاق أو المسن أو العمالة في محطات الوقود وفي سيارات الأجرة أو اعتداء أحد الطلاب أو مجموعة منهم على معلم بمدرسة أو على سيارته).
وقد كشفت هذه التقاير أن استخدام القوة والتهديد بهدف إشاعة الرعب والفزع بين المواطنين وأشارت إلى أن أصحاب المصالح غير المشروعة يستخدمون البلطجة في الإتلاف والتخريب وحرق الممتلكات والتعدي على الغير بالأسلحة والأدوات الحادة والمواد الكيماوية وهو الأمر الذي يشكل تهديداً اجتماعياً خطيراً يجب أن تدق ازاءه أجراس الإنذار ومواجهته بكل حزم وقوة.
وقبل الاسترسال في هذا الموضوع وتناوله بالتفصيل فهل سألنا أنفسنا أين نحن في المجتمع السعودي المسلم المتكاتف من هذه الظاهرة وهل ثمة بوادر توحي بوجودها في مجتمعنا السعودي وماذا اعددنا لها من تدابير وقائية وخطط مستقبلية احترازية لمنعها فكثير من الظواهر السلبية الخطيرة مثل (ظاهرة الإرهاب والمخدرات والسطو المسلح) لم تكن موجودة بشكل ملموس في مجتمعنا على الأقل خلال العقود الخمسة الماضية ولم تكن نتاجاً لمجتمعنا السعودي المسلم وإنما هي من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا وساعد في ذلك ما تبثه وسائل الإعلام السلبية في عصر الفضائيات من ترويج للعنف والجنس والجريمة وانعدام أو ضعف الرقابة الأسرية والفراغ والرفقة السيئة والعادات والقيم السلبية الوافدة وقلة التوعية بهذه الظواهر وانعدام التدريب للقائمين على شؤون الوعظ والإرشاد وخصوصاً المحدثين منهم سواء في المساجد أو المدارس أو المعاهد أو الكليات أو غيرها من المؤسسات حيث يحتاج الأمر حالياً إلى تنظيم الدورات التدريبية المنتظمة لهم يقوم على شئون التدريس والتدريب فيها متخصصون قادرون على عرض كل ما يتعلق بالجريمة وأضرارها وكيفية منعها وفي الحقيقة ان كثيراً من الظواهر الاجتماعية والمرتبطة بالجريمة لا يتم التطرق إليها وعلاجها ووضع التدابير الاحترازية لمنعها إلا بعد انتقالها من المجتمعات الغربية أو المجتمعات العربية إلى مجتمعنا فالمطلع على واقع التغير الاجتماعي والاقتصادي في العالم وما ينتج عن هذا التغير من ظواهر اجتماعية ترتبط بالجريمة والجنوح يدرك بأن ما يمر به من سبقنا من المجتمعات في تطور الحياة المدنية وما ينتج عن ذلك من ظواهر ترتبط بالجريمة والجنوح قد يصل مجتمعنا لا قدر الله مثل هذه الظواهر إن لم يتم الحديث عنها بشفافية وموضوعية ووضع الخطط والتدابير الاحترازية والوقائية في مواجهتها..؟
فلنكمل حديثنا عن البلطجة وماذا تعني إنها كلمة تركية الأصل والبلطة هي نوع من الفئوس ومقطع (جي) يضاف في اللغة التركية للتعبير عن الاحتراف فالذي يستخدم البلطجة يسمى «بلطجي» وهذا اشتقاق دخل لغتنا التي عرفت القهوجي والمكوجي وفي قاموس «المنجد» فإن البلطجي كان الشخص الذي يرافق وحدات الجيش التركي ويقطع الأشجار التي تعترض طريقها وحين اشتهر أحد الولاة الأتراك بقسوته ودمويته أطلق عليه «بلطجي باشا» وظل المصطلح مرتبطاً بالعنف حتى الآن وإن تطور محتواه، وتعتمد البلطجة في وجودها على عنصرين أساسيين أولاهما: ذو طبيعة مادية ويتمثل في العدوان أو في التهديد به من خلال وسائل مادية أو معنوية تعتبر حيازتها غير مشروعة أو مشروعة ولكنها في النهاية تستخدم كلها استخدامات غير مشروعة للاعتداء بها على جسم الإنسان أو على نفسه ولا يلزم لتوافر العنصر المادي ضرورة استخدام تلك الوسائل استخداماً بل يكفي مجرد التلويح باستخدامها ما دام البلطجي في النهاية جاداً في استخدامها فعلياً مستهيناً في ذلك بالمصالح المحمية لدى الغير حماية قانونية.
ثانياً: هو عنصر ذو طبيعة نفسية يتمثل في ضرورة أن يترتب على استخدام وسائل العدوان حدوث أثر نفسي لدى الغير الموجه أصلاً إليه وذلك لترويعه وتخويفه وترهيبه وتهدف تلك الأعمال من خلال العنصر النفسي أي حمل المجني عليه أو الموجهة إليه أعمال البلطجة إلى ضرورة الاستجابة لمطالب البلطجي إما بإتيان ما يطلب منه القيام به وإما الامتناع عن إتيان ما ينهي عنه القيام به.
وإذا حاولنا أن نلجأ للفقه لوضع تعريف للبلطجة نجد أن التكييف الفقهي والقانوني لمسألة البلطجة يشير إلى انها إحدى صور جريمة «الحرابة» المعروفة في الفقه الإسلامي فالتعريف الشائع للبلطجة أنها «احتراف استخدام القوة والعنف في ارتكاب أفعال مخالفة للقانون لحساب الفاعل أو لحساب الغير» وهي بهذا المفهوم قريبة الشبه جداً «بالحرابة» التي يعرفها الفقهاء بأنها «خروج جماعة أو فرد ذي شوكة إلى الطريق العام بغية منع السفر فيه أو سرقة أموال المسافرين أو الاعتداء على أرواحهم».
وفي هذا الصدد نتطرق إلى أهم صور واشكال جرائم العنف والبلطجة..؟ حيث تشير التقارير المتعددة عن ظاهرة البلطجة أننا نواجه نوعين من البشر: النوع الأول إنسان مظلوم تعرض لأسوأ ما يمكن أن يتعرض له إنسان في حياته فاجأه عدد من الشبان في بيته وقاموا بضربه واهانته أمام أهل بيته وقاموا بتدمير اثاثه وهو عاجز تماماً عن أن ينطق بكلمة واحدة وإلا فقد حياته في لحظة. والنوع الثاني عادة من الاشخاص الذين يستأجرون البلطجية وهم يعتمدون على إنهم بمنأى عن المساءلة القانونية لأهم لم يرتكبوا مثل هذه الأعمال بأيديهم وليس هناك دليل على أنهم أستأجروا هؤلاء البلطجية أو أنهم يعرفونهم.
أما أهداف البلطجة وغايتها فإن البلطجي يسعى دائماً إلى تحقيق عدة أهداف تتجمع من خلالها غاية عظمى يحرص على تحقيقها تتمثل فيما يلي:
- التطلع إلى فرص السطو والسيطرة على منطقته بشكل يجعل له الكلمة العليا فيها.
- ضمان الحصول على مورد مالي وعيني يحقق طموحات البلطجي بأقل مجهود ممكن وبطريقة مضمونة قادرة على الوفاء بتطلعاته وطموحاته.
- القدرة على دعم الاجرام وتأييده لدى الكثير من عناصر إتمامه بشكل يؤيد تلك العناصر ويضمن لها القدرة على تحقيق أهدافها الإجرامية.
- التباهي الدائم بقدرة أعمال البلطجة على الوقوف أمام سلطات الأمن والتفاخر بالقوة في مواجهتها.
- الرغبة في تصدير حالة الخوف والترويع للعديد من المواطنين لما يحققه ذلك من رضوخ واستكانة يساهم غالباً في الانصياع لمطالب البلطجية والاستجابة لأوامرها.
- التستر على بعض العناصر الإجرامية والهاربة من أيدي أجهزة العدالة الجنائية لمساومتها والاستفادة من ورائها وتجدر الإشارة إلى أن مجتمعنا السعودي لم يصل ولله الحمد إلى هذه المرحلة من الفوضى التي اكتوت بها بعض المجتمعات الأخرى وذلك بسبب تطبيق الشرع الحنيف على أصحاب الحرابة وعدم التساهل معهم الأمر الذي يعزز تمسكنا بديننا وتطبيق شرع الله الذي يقول عز شأنه:
{$ّلّكٍمً فٌي پًقٌصّاصٌ حّيّاةِ يّا أٍوًلٌي الأّّلًبّابٌ لّعّلَّكٍمً تّتَّقٍونّ} وفي آية أخرى يقول تبارك وتعالى: {إنَّمّا جّزّاءٍ پَّذٌينّ يٍحّارٌبٍونّ پلَّهّ $ّرّسٍولّهٍ $ّيّسًعّوًنّ فٌي الأّّرًضٌ فّسّادْا أّن يٍقّتَّلٍوا أّوً يٍصّلَّبٍوا أّوً تٍقّطَّعّ أّيًدٌيهٌمً $ّأّرًجٍلٍهٍم مٌَنً خٌلافُ أّوً يٍنفّوًا مٌنّ الأّرًضٌ ذّلٌكّ لّهٍمً خٌزًيِ فٌي پدٍَنًيّا $ّلّهٍمً فٌي الآخٌرّةٌ عّذّابِ عّظٌيمِ} ونجد في أهداف البلطجةوغياتها ما ينافي عظمة الإسلام الذي يربي في وجدان المسلم احترام الغير وعدم الاعتداء على الآخرين في نفس أو مال أو عرض وان ترويع الآمنين جريمة لا تغتفر فالقاعدة في الإسلام كما جاء على لسان سيدنا «محمد» صلى الله عليه وسلم (أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) فجسم الإنسان له حرمته ولا يجوز الاعتداء عليه بالقتل أو الجرح أو الضرب أو أي لون من ألوان التعذيب أو الإيذاء كما لا يجوز الاعتداء على مال الإنسان أو عرضه وقد تواترت وتضافرت نصوص الشريعة الإسلامية في تحريم أعمال العنف والاعتداء والإيذاء.
وبهذا أسوق بعض الحلول المقترحة لمواجهة ظاهرة العنف والبلطجة وعلاجها فقد كان المؤرخون في عهد «عمر بن الخطاب رضي الله عنه» يتفاخرون بأنه في وسع أي فرد في الإمبراطورية الإسلامية أن يجوبها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب وهو يحمل مقتنياته الثمينة دون أن يتعرض له أحد من قطاع الطرق ولكن في أيامنا الأخيرة اختلف الأمر وخرجت كثير من الظواهر التي تهدد الأمن من هنا كان لابد أن نبحث عن بعض الحلول لمواجهة العنف والبلطجة ووضع التدابير الاحترازية في مجتمعاتنا العربية ولسنا نحن ولا غيرنا بمعزل عن مثل هذه الظواهر الإجرامية الخطيرة ويفرض علينا الحس الأمني والاجتماعي والوقائي أن نتنبه إلى مثل هذه المخاطر قبل استفحالها لا سمح الله وفيما يلي بعض من هذه الحلول:
- الضرب بشدة على أيدي المجرمين والعابثين والمخربين واستئصال شأفتهم لان الله سبحانه وتعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
- العناية برد الحقوق ورفع المظالم بصورة سريعة وفعالة وحاسمة لمن يتعرض للاعتداء من خلال تفعيل دور وأداء الأجهزة المختصة بهذا الشأن.
- أهمية عودة الأسرة للقيام بدورها الطبيعي من خلال النصح والتوجيه والرقابة والمتابعة على الأبناء إذ على الوالدين أن يغرسا في النشء كل قيم الخير والصلاح وان يربيا أبناءهما على الدين وحسن الخلق.
- على مؤسسات التعليم دور لا يقل أهمية عن دور البيت اذ يجب ألا تقف مهمتها عند حد تلقين المعلومات وشرح المنهج بل عليها تقويم سلوك الطلاب ورعايتهم أخلاقيا ودينياً وتزويدهم بالأمثلة المشرقة في تاريخنا العربي والإسلامي عن أصحاب السير الحميدة من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واستحضار كافة الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وكل الموروث العظيم لهذه الأمة التي اشتهرت باللين والرفق والتسامح.
- على أجهزة الإعلام انتقاء المادة التي تقدمها على شاشاتها وفي اذاعاتها وصحفها بعناية إذ أن لها في نفوس الناس فعل السحر وخاصة عند الأطفال والشباب.
- العمل على القضاء على ظاهرة البطالة وخاصة بين الشباب من خلال توفير فرص ملائمة للشباب وتشجيعهم ودعمهم في القيام بالمشروعات الصغيرة من خلال قروض صندوق الموارد البشرية أو الصندوق الصناعي أو الزراعي وتيسير حصول الشباب على الأراضي الصناعية والزراعية بتكاليف مناسبة ومعاونتهم على إنجاح هذه المشاريع.
- المتابعة المستمرة والميدانية الدائمة للمساجد ومنابر الدعوة والقائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتأكد من تجاوب وتفاعل الدعاة وأهل الحسبة والعلماء والأئمة مع مشاكل المجتمع والتأكيد على دور الأئمة في توعية الناس خاصة الشباب بالمعلومات الدينية الصحيحة عن طريق الخطب والدروس الدينية والتوجيه المباشر وغير المباشر.
- التوسع في إنشاء نوادي الأحياء وإتاحة الفرصة للمشاركات الاجتماعية والثقافية والرياضية في هذه النوادي وغيرها من المؤسسات التي تعمل على استثمار أوقات الشباب فيما يعود عليهم بالنفع والصلاح.
وربما يكون طرح هذه القضية الان أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى حيث ان المجتمع السعودي يمر بمرحلة تحول مهمة خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتقني للقفز إلى آفاق القرن الحادي والعشرين مما يتطلب وبشدة التأكيد على منظومة القيم التي تحكم توجه المواطن السعودي وسلوكه وضبطه نحو الهدف المنشود وهو أهل لتمثيل المواطن المسلم الصالح لنفسه ودينه وقيادته ومجتمعه وبالله التوفيق.
* الأخصائي الاجتماعي بإدارة التطوير الإداري بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية |