ليست صفة الهمز واللمز من الصفات الحميدة، بل هي من أبشع الصفات التي يوصف بها الإنسان، لأنَّ من معاني «الهمز» الفَضُّ، والكسر، والعيب، ولا تجتمع هذه الصفات في إنسانٍ إلا كانت دليلاً على سوء خلقه، وخُبْث طويته.
والهَمْز واللَّمز بهذا المعنى صفتان مذمومتان - بصورة عامة - فكيف إذا وجَّههما صاحبهما إلى عقيدته، وفكره، وثقافته السليمة، وإلى أهل الخير والصلاح من بني قومه، أو من الناس جميعاً؟، هنا تكون صفتا الهمز واللمز أشدَّ سوءاً وبشاعةً، وأدلَّ على عُمْق سوء النيّة، والطويَّة عند صاحبهما.
إنَّ كاتباً ينتمي إلى أمَّة الإسلام بكونه من أبنائها، ويحمل هوّيتها ثم يهمز ويلمز ويغمز بعض جوانب دين الإسلام، أو يتعمَّد التعريض بالعلماء والدُّعاة وأهل الخير، أو يسخر «هامزاً لامزاً» من أعمال الخير، وأنشطة الدعوة، وطرائق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يحاول النَّيْل من مناهج التعليم - بلا موضوعية - وبإجحافٍ واضح في الرأي، أو يعيب تشبُّث أمته ومجتمعه ووطنه بخصوصية الإسلام عقيدةً وثقافة وفكراً وسياسة واجتماعاً، إنَّ هذا الكاتب لا يصل إلى هذه الدرجة إلا وقد أصابه سوء كبير، وخَلَلٌ عميق في رؤيته، وإيمانه، وفي فكره وثقافته، وهو بهذا الأسلوب يحتاج إلى مناصحة صريحة، وإلى توجيه وإرشاد، أو إلى مقاطعة - يستحقها بجدارة - إذا أصرَّ على ما هو فيه من هَمْز مظاهر الخير والالتزام بالدين، ولمز الصالحين والمصلحين في بلاد المسلمين.
هنالك كتَّاب من أبناء جلدتنا، والمنتمين إلى أمتنا ينحدرون إلى أوحال الموافقة «ثقافياً وفكرياً وسياسياً» لأعداء الإسلام والمسلمين من متعصِّبي كفَّار هذا العصر، وكأنَّ هؤلاء الكتَّاب قد أصبحوا أبواقاً لأولئك ومطايا يمتطيها كل متعصِّب «عنصري» من أعداء الأمة والملَّة، وهذا انحدارٌ خطير، والسكوت عليه أخطر، لأنه يشوِّش ويثير الشبهة، ويسوق إلى العنف المضاد الذي لا تجني منه الأمة خيراً.
هاتفني أحد الشباب - وكان شديد الانفعال - وقال لي بوضوح: أنتم تطالبون بالاعتدال والموضوعية، والرِّفق في الأمور كلِّها، وتنسون أن في ساحتكم الثقافية والأدبية والصحفية كتَّاباً لا يستخدمون إلا أساليب الهمز واللمز والإثارة القبيحة بمقالاتٍ تصْدمُنا بما تحمله من استهزاء بمظاهر الالتزام الديني، وملامح خصوصية بلادنا الاسلامية بل وسخرية - أحياناً.
من حرصنا على تحفيظ القرآن، وعلى عمل الخير، وبذل المساعدة للمحتاجين من المسلمين داخل بلادهم وخارجها ، تنسون أن هناك أقلاماً تتوجه إلى قلوبنا سهاماً من ألمٍ وحسرة، ساخرةً من الشباب الملتزم بدينه تحت شعار محاربة الإرهاب، مستغلِّة هذه الحملة الموجَّهة من الغرب - أصلاً - ضدَّ «الإرهاب المعاصر» المتمثِّل في العُنف والقتل والتدمير، حتى أصبحنا نظن ظناً قريباً من اليقين أنَّ أولئك الكتاب أصحاب تلك الأقلام «الهمَّازة اللَّمازة» يتلقون توجيهاتهم من بعض مراكز العداء لديننا التي تنتشر في العالم الغربي، ويقبضون مقابل ذلك ما يغري من المال أو غيره ثم قال: لماذا تستمر تلك الأقلام؟!. وكيف لا تنبِّهون إلى خطورتها، وتشيرون إلى سوء مسلك أصحابها الذين يثيرون البلبلة، ويزيدون النار اشتعالاً في هذه المرحلة الحرجة من حياة أمتنا وبلادنا؟ التي تحتاج منا إلى جمع الصف لصدِّ الفتنة.. قلت لذلك الشاب: مهما كانت قسوة الهمز واللمز التي تشير إليها فإن الصبر وسعة الصدر، من أهم عوامل مواجهة الباطل بحجمه الكبير المتمثِّل في حملة الغرب المتعصِّب ضدنا، وبحجمه الصغير - من حيث المساحة - المتمثِّل في حملة أقلامٍ «غير نظيفة» ، تبثُّ آراءً مثيرةً في هذه الأيام.
إن هؤلاء الكتَّاب يضعون أنفسهم - باختيارهم - في دائرة سوداء هي دائرة كراهية أمتهم لهم، وهي دائرة خطيرة من حيث المخالفة لشرع الله الذي قال {وّيًلِ لٌَكٍلٌَ هٍمّزّةُ لٍَمّزّةُ}، هل اقتنع ذلك الشاب المنفعل بما قلت؟ الله أعلم، وهنا نتساءل: إلى متى يبقى كتَّاب الهمز واللَّمز يتطاولون على مجتمعهم وأمتهم؟؟.
إشارة :
يقول الشاعر:
إذا لقيتك عن شَحطٍ تكاشرني
وإنْ تغيَّبت كنتَ الهامزَ اللُّمَزَهْ |
|