Sunday 30th november,200311385العددالأحد 6 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العولمة.. تجريدها من إيجابياتها وتضخيم سلبياتها إرهاب للشعوب المحرومة وقمع لتطلعاتها (6/6) العولمة.. تجريدها من إيجابياتها وتضخيم سلبياتها إرهاب للشعوب المحرومة وقمع لتطلعاتها (6/6)
مضواح بن محمد آل مضواح

والعولمة تحمل خيراً كثيراً لكل من اندمج فيها - يمكن أن يكون لهذا الاندماج حد أدنى لكن سقفه الأعلى غير متناه أبداً - ولكي يعبر أي مجتمع عتبة الاندماج هذه بسلام الى الداخل ويكون شريكاً في العولمة لا مجرد وسيلة من وسائلها القابلة للبلى شيئا فشيئا حتى تتلاشى، لابد له أن يصل الى مستوى مناسب من التقدم المادي والفكري المتوازن، وسيكون الوصول الى هذا المستوى أكثر يسرا على كل مجتمع اتخذ الاجراءات الضرورية لاستيعاب العولمة فكرا وتطبيقا.. فكيف لنا نحن العرب أن نصل الى هذا المستوى، حتى نسهل عملية اندماجنا في العولمة بسلام، فنستفيد من ايجابياتها ونقلل من أثر تداعياتها السلبية، ونصنع من آلياتها عكازاً تتكئ عليه أمتنا وهي تحاول إعادة النهوض؟.
ولست بصدد القول بمقدوري الاجابة الكاملة على هذا السؤال الكبير جداً، فالاجابة عليه ستستمر مدى الحياة بسبب الطبيعة المتجددة للعولمة، فكل جيل يستكمل اجابة الجيل الذي سبقه، وفق ما تتطلبه روح العصر التي يعيشها، ويمهد لاجابة الجيل الذي يليه، وهكذا دواليك. والاجابة على هذا السؤال تتطلب أيضا جهداً من كل انسان عربي.. نعم كل العرب، وتقع مسؤولية الاجابة الصحيحة وتوضيح حقائق الأمور بالدرجة الأولى على عاتق المثقفين ذوي العقول المستنيرة، المخلصين لأمتهم والغيورين على ماضيها وحاضرها ومستقبلها.. نعم، الاجابة على هذا السؤال تتطلب كل ذلك، لكنني ألخص رؤيتي في النقاط الآتية حول بعض الاجراءات التي أعتقد ان اتخاذها سيسهم في تذليل الصعوبات، ويجعل العرب يسيرون خطواتهم الأولى نحو ذلك المستوى:
أولا- مراجعة التشريعات والنظم وفق نظرة مستنيرة تأخذ في الحسبان كل المتغيرات والمستجدات التي أتت بها العولمة.
ثانيا- فصل السلطات الثلاث فصلا تاما واعادة هيكلتها ومن ثم تغذيتها بالكوادر المؤهلة في جميع التخصصات، حتى تستطيع تفعيل ما يوجد في ثقافتنا وأدياننا السماوية من مقومات العدل والحرية والمساواة، وتمزج بينها وبين ما أتت به النظم الأخرى من أسس تشريعية وقواعد تنظيمية، فالعلم والتكنولوجيا والعولمة قد أتت بأنماط سلوكية لم تعرفها البشرية من قبل، وأخرى عرفتها البشرية لكنها جاءت اليوم في أنماط أو قوالب جديدة، وهي جميعا تحتاج الى تسمية وتصنيف وتكييف لا يكون نشازاً أو مدعاة للاتهام بالتخلف وصناعة الارهاب.
ثالثاً- الانطلاق من الثوابت في اتخاذ اجراءات لاصلاح مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حتى نتمكن من السير في تيار العولمة على أرجلنا.
رابعاً- وضع استراتيجيات طموحة وصادقة تنهض بالتربية والتعليم علمياً وتكنولوجيا، وتنتشلها من القصور، فالعولمة تريد، لو أمكن، أن يتلقى الطالب في الوطن العربي القدر نفسه من التربية والتعليم الذي يتلقاه طالب مماثل في ألمانيا أو دولة أخرى متقدمة، أو على الأقل يتحقق بين التربيتين أكبر قدر ممكن من التجانس.
خامساً - اضافة بند رئيسي في ميزانيات الدول العربية للبحث العلمي.
سادساً - انشاء هيئة علمية عربية يكون من مهماتها:
1- تنسيق التعاون بين مراكز البحوث في الوطن العربي فيما بينها من جانب، وفيما بينها وبين مراكز البحوث العلمية في العالم.
2- انشاء مركز متقدم للمعلومات العلمية.
3- تسجيل براءات الاختراع.
4- تقديم العون والمشورة المهنية لاستثمار براءات الاختراع.
وستساعد العولمة على اختصار الجهد والوقت والنفقات لتحقيق كل ذلك، ويقع على القطاع الخاص واجب ومسؤوليات كبيرة الى جانب واجب ومسؤوليات الحكومات في دعم وتمويل جميع أنشطة هذه الهيئة.
سابعاً - تثقيف المجتمعات العربية عن العولمة ومتطلباتها وكيفية التعامل مع المستجدات الثقافية، كي لا يتحول العالم الى حلبة لصراع الثقافات، أو على الأقل لا تدخل الأمة العربية هذا الصراع وهي بهذا الهزال الثقافي لأنها ستكون المهزومة حتما.
ثامناً - وضع استراتيجيات وخطط اعلامية للتعريف بقضايانا ومظالمنا، والتعريف كذلك بثقافتنا واسهامنا في الإرث الحضاري للبشرية.. ولست أقصد التعريف بالعرب لدى العرب فلقد أمضينا زمنا طويلا ونحن نخاطب أنفسنا، بل أقصد تعريف المجتمعات الأخرى بأمتنا حسب لغات تلك المجتمعات والأساليب التي تفهمها، ونحن في هذا الجانب نستطيع توظيف العولمة واستثمار امكانياتها، بل ونستطيع غزو الثقافات الأخرى.
تاسعاً - أن تتخذ الحكومات العربية اجراءات لاعادة توطين رؤوس الأموال، فيعيد كل مواطن أمواله المهاجرة ويستثمرها في وطنه، وإن تطلب ذلك من الحكومات تقديم الضمانات والسندات الكفيلة بالمحافظة على سلامة رأس المال العائد الى الوطن من أي خسارة لا يكون التبذير والاهمال وسوء التدبير سببا في حدوثها.
عاشراً - ليس الاستعمار القادم بالجيوش وإنما بالعلم والتكنولوجيا، فعلى أمتنا الاستعداد لهذه المرحلة بالطريقة نفسها، وهذا ما تقدمه لنا العولمة فلماذا نرفضها؟.. إن الأمر يتطلب منا التفاعل معها وتوجيهها لخدمة مصالحنا والتأثير فيها من داخلها طالما أنه لا يمكننا التغلب عليها عندما نواجهها بالرفض والعداء.
أحد عشر - تسعى العولمة الى نزع الهوية عن المنتجات وجعل العالم سوقا حرة واحدة ومفتوحة خلال الأربع والعشرين ساعة، وهذا هو مدخل الدول العربية الى استقطاب الشركات الصناعية لاقامة مصانع لها في الوطن العربي، فالموقع الجغرافي يعد استراتيجيا، والخامات متوفرة، والأماكن الفسيحة والمناسبة لا تنقص وطننا العربي، والأيدي العاملة متوفرة أيضا.
وسيتحقق هذا الاستقطاب من خلال عدد من الاجراءات التي يمكن ان يسري تطبيقها لفترة زمنية محددة ومنها:
1- منح الأراضي التي تقام عليها هذه المصانع لفترات طويلة برسوم رمزية أو بدون مقابل.
2- إعفاء هذه المصانع من الرسوم الجمركية أو جعلها رمزية.
3- منح تأشيرات دخول واقامة العمال برسوم رمزية أو بدون مقابل إذا احتاجت هذه الشركات الى عمالة غير متوفرة بين العرب.
4- تقديم المواد الخام بأسعار أرخص من مثيلاتها في العالم.
وإذا كان المفاوض العربي يتمتع بالحنكة وبعد النظر فإن صياغة الاتفاقيات والعقود مع الشركات الأجنبية صاحبة هذه المصانع ستضمن تدريب الآلاف من العرب وبخاصة أبناء البلد الذي توجد فيه هذه المصانع، بحيث لا تمضي فترة محددة من مدة العقود إلا وقد أصبحت غالبية العمالة من الجنسيات العربية، وستضمن كذلك بيع هذه المصانع الى المستثمر العربي في النهاية أو على الأقل يصبح شريكا كاملا. ومن المؤكد ان اكتساب آلاف العرب للخبرة العلمية والفنية والمهنية بهذه الطريقة سيؤدي الى انشاء مصانع مماثلة بأموال وعمالة عربية خالصة، وستتحول مجتمعاتنا الى مجتمعات صناعية منتجة ومنافسة.
اثنا عشر - من المهم أن تتحلى أمتنا بالمرونة لتتجنب صدمات العولمة، ومن متطلبات ذلك أن نؤمن بحقيقة أن الأيام دول، وقد كانت لأمتنا دولة وصولة عندما كنا الأقوى، وأن الأقوى اليوم يمارس الدور نفسه الذي كنا نمارسه، بغض النظر عما نعتقده من صحة منطلقاتنا عندما كنا الأقوى وخطأ منطلقات الأقوى اليوم.
ثلاثة عشر - لكي نتوافق مع العولمة لابد لنا من المسايسة، والمداراة، والتضحية لدفع الأمور بأقل خسارة ممكنة، والتقدم أو الانسحاب من المواقف في الوقت المناسب، وهذه من صفات العقول الراجحة، أما الصلف، والتهور، والجمود، والتصلب، وإلقاء النفس الى التهلكة، فهي من صفات الحمقى والمغفلين.
أربعة عشر - لابد للمثقفين العرب أن يساندوا أمتهم ويعينوها على استيعاب ظاهرة العولمة بكفاءة، وهذا واجبهم الثقافي والأخلاقي، وهم إذا أرادوا القيام به حقا فإن من أولويات هذا الواجب أن يجيبوا بموضوعية ونزاهة ومهنية عن الأسئلة الآتية، وأن يثقفوا شعوبهم ونظمهم تلك الإجابات:
1- هل العولمة حركة موضوعية أم نتائج سياسات ذاتية؟ وبمعنى آخر هل هي ظاهرة حتمية أم شيء يمكن مقاومته ورده؟.
2- هل ستؤدي العولمة الى فرض هيمنة عالمية من قبل بعض الدول؟ أم أنها وسيلة أو ديناميكية جديدة تتيح الخروج من الهيمنة؟.
3- هل العولمة والأمركة صنوان، وبالتالي فإن العولمة تنشر الأمركة وتعمل على استقرارها، أم أن الانفتاح الثقافي من خلال العولمة سيؤدي الى قيام تعددية ثقافية؟.
4- هل ستحد العولمة من التسلط والهيمنة الأمريكية، وبالتالي تتخلص الدول من الابتراز، وتبقى ثروات الشعوب لأهلها؟.
5- كيف نواجه العولمة ونؤثر فيها لتكون أكثر عدلا، ومن ثم الاستفادة منها الى أقصى درجة ممكنة؟.
6- هل تتوفر لدى العرب امكانات مادية وبشرية وجغرافية لها القدرة على التأثير الفعال في حركة العولمة ومسارها فيما إذا استغلت هذه الإمكانات بكفاءة، وأدارتها عقول راشدة ونزيهة؟.
إنني وقد أوشكت على الانتهاء من هذا المقال، أود التأكيد على أن العولمة تقدم فرصا هائلة لحصول الانسان العربي على التنمية الشاملة بما تتيحه من تفاعل وطاقات وعلاقات، وتدفق حر للقيم والمنتجات والمعلومات والأفكار والمخترعات والمكتشفات. والعولمة عبر آلياتها ووسائلها ستقدم لكل فرد - دون تمييز - فرصا حقيقية واستثنائية للتقدم والازدهار المادي والنفسي والحضاري، كما أن نجاح العولمة في خلق سوق تجارية عالمية واحدة وازالة الرسوم الجمركية أو خفضها سيوسع التجارة ويجعل أسعار السلع والمنتجات في متناول الجميع، الأمر الذي سيؤدي الى نمو الناتج العالمي بوتائر أسرع مما عرفته الأسواق التقليدية، وستتحقق إثر ذلك فوائض مالية هائلة ستغير الى الأفضل حياة البشرية جمعاء، وتغير وجه المعمورة، فيعم الرخاء والأمن والاستقرار، ويتخلص الانسان من العوز والحرمان المادي والمعرفي بشكل لم يسبق له مثيل. ويوما ما سأقابل أولئك الذين انتقدوني بسبب موقفي المتلهف للعولمة.. سأقابلهم وقد غيرت العولمة الى الأفضل أشياء كثيرة في أسلوب تفكيرهم وفي بيوتهم، وعندها سأذكرهم بأنني كنت على صواب، ولست بمستنكف القول هنا، كما قلت في البداية وكما سأظل أقول، إن العولمة إذا أحسن استغلالها هي الوسيلة الأفضل للتعريف بثقافة أمتنا، والمحافظة على هويتها، ونقلها سلميا الى حياة أفضل تشارك فيها المجتمعات الأخرى في الحرية والعدل والمساواة واحترام انسانية الانسان، وتنعم معها بالأمن والازدهار والسعادة والسلام.
لمزيد من الاطلاع ننصح بالرجوع الى المراجع الآتية، وقد تم ترتيبها حسب أهميتها وعمق تناولها لظاهرة العولمة والتغيرات العالمية:
1- العمر، معن خليل. قضايا اجتماعية معاصرة. العين: دار الكتاب الجامعي، 2001م.
2- غليون، برهان. ثقافة العولمة وعولمة الثقافة. دمشق: دار الفكر، 1999م.
3- عبد اسماعيل، عبد سعيد. العولمة والعالم الاسلامي. جدة: دار الأندلس، 2001م.
4- أبو لبده، نظمي. التغيرات في النظام الدولي. عمان: دار الكندي، 2001م.
5- بواسطة الإنترنت عن طريق موقع www.CIPE-Egypt.org وكذلك محرك البحث www.Google.com
* تقرير الأمم المتحدة عن التنمية في العالم عام 1995م، وعام 2002م.
* منظمة الموارد العلمية والتكنولوجية بالمملكة المتحدة.
* التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1998م.
* رسالة اليونسكو لعام 1995م.
* تقرير جماعة تنمية الديموقراطية في مصر لعام 1997م.
بالإضافة الى مرجع ورد في المتن ولم يرد ذكره في هذه القائمة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved