Sunday 30th november,200311385العددالأحد 6 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نجاح داعية نجاح داعية
سلمان بن فهد العودة

الذي يقرأ في تاريخ الدعوات، وأسباب نجاحها أو فشلها يجد أن من أهم أسباب النجاح الذي تحرزه دعوة ما أحد أمرين:
1- الحق الذي تحمله هذه الدعوة، فبقدر ما فيها من الحق تكون ملائمة للفطرة، قريبة الى العقل، وسرعان ما تتقبلها النفوس وتسكن اليها. ولذلك لما سمع الجن كلام الله تعالى يقرؤه رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - رجعوا الى قومهم يقولون: { إنَّا سّمٌعًنّا قٍرًآنْا عّجّبْا يّهًدٌي إلّى الرٍشًدٌ فّآمّنَّا بٌهٌ} «الجن 1 - 2» بل تحولوا مباشرة الى «منذرين» تتحرك في نفوسهم دوافع الإنذار والبيان والدعوة: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } «الاحقاف 29 - 31».
وقد يتوفر لبعض أمم الكفر قدر من العدل وحفظ مقامات الحقوق البشرية، مما هو في الاصل من مقاصد الشريعة فيجعل الله لهم من التمكين والبقاء والنفوذ بقدر ذلك، كما هو معروف في حقب التاريخ مشاهد من واقع الحياة.
2- والعامل الثاني من عوامل النجاح: ثقة الداعية بدعوته، وايمانه الراسخ المطلق بأنها الحق الذي لا ريب فيه، فهنا يتحول الى قدوة في قوله وفعله.. يتحول الى «امام» { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } «السجدة: 24».
ولا يملك قارىء هذه الآية الكريمة الا ان يقف عند هذه الكلمات الاربع: «أئمة، يهدون، صبروا، يوقنون».
فلكي نكون دعاة صادقين وأئمة هادين مهديين، لابد من الصبر على الدين، فلا تزحزحنا عنه أو عن بعض عقائده او أحكامه استخفافات الذين لا يوقنون، ولابد من اليقين المطلق الذي لا يقبل المراجعة او الشك بأنه الحق.
ونحن هنا لا نتحدث عن الآراء الاجتهادية، ولا عن وجهات النظر الشخصية التي قد يتحول الايمان المطلق بها الى نوع من التعصب والهوى والإصرار وبطر الحق وغمط الناس، لكننا نتحدث عن «الدين المنزل».
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } «إبراهيم: 13» وقال جل وعلا: { )قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } «الأعراف: 88 - 89».
وكما يظهر اليقين في أقوالنا، فلا نداور ولا نداهن ولا نماري، ولا يعنينا ما يقوله عنا الآخرون، فنعطيهم إياها صريحة.. إن هذا الدين دين الله، لا يقبل سواه {وّمّن يّبًتّغٌ غّيًرّ الإسًلامٌ دٌينْا فّلّن يٍقًبّلّ مٌنًهٍ وّهٍوّ فٌي الآخٌرّةٌ مٌنّ الخّاسٌرٌينّ }ونعلنها لهم واضحة: {كّفّرًنّا بٌكٍمً وّبّدّا بّيًنّنّا وّبّيًنّكٍمٍ العّدّاوّةٍ وّالًبّغًضّاءٍ أّبّدْا حّتَّى" تٍؤًمٌنٍوا بٌاللَّهٌ وّحًدّهٍ}.
فكذلك يجب ان يظهر اليقين في أعمالنا وسلوكنا وأساليب حياتنا.. من يحمل الدين الصحيح، ويثق بما لديه لا يذهب ليأخذ ما يسقط من موائد الآخرين. ليس صحيحا ان تكون مجتمعاتنا وبيوتنا ومدارسنا واسواقنا وشاشاتنا ميدانا استهلاكيا للمنافسة والسباق على بضاعتهم الكاسدة.
وبتجربة عملية يظهر ان الشاب او الفتاة الذي يعيش الاسلام واقعا عمليا بين ظهراني المشركين - وقد اضطر للإقامة بينهم - اجدى على الاسلام من مائة خطيب ومتحدث.. يدعو الى الاسلام بأقواله، ويحذر منه بأعماله.
في مدينة «لورنس» في الولايات المتحدة الامريكية التقينا مسلماً امريكياً أبيض، أسلم من سبع سنوات، وأثنى المسلمون خيرا على خلقه وسلوكه ونشاطه في الدعوة الى الله، وهو استاذ في الجامعة.
سألنا عن سبب إسلامه، ولقد كانت فرحتنا كبيرة حين وجدنا في قصته شاهدا عمليا ماثلا للعيان لما كنا نقوله للدعاة من ضرورة الاعتزاز بالاسلام في تلك المجتمعات، عقيدة وسلوكا وأحكاما، وألا نتناول عن شيء من اجلهم.. حتى يكون سلوكنا ومنهج حياتنا «يصرخ» في وجوههم.. يدعوهم الى التأمل والمراجعة واعادة النظر.
كان هذا الرجل قد فقد الثقة بنصرانيته المحرفة الممسوخة، وبدأ رحلة شاقة في البحث عن الدين الحق.. وبحث في ديانات كثيرة فلم يجد فيها غناء، لكنه لم يفكر لحظة في دراسة الاسلام، فقد أسقطه من حسابه منذ البداية بسبب الصورة المشوهة التي رسمتها في عقله اجهزة الاعلام وشعوب الاسلام.
ذات يوم رأى فتاة مسلمة تدرس في الجامعة ملتزمة بحجابها، تتحدى به امواج التفسخ والتعري والانحلال.. ريحانة في وسط النتن.
وسأل فعلم انها مسلمة، وأن الإسلام يأمر بالتستر والتصون وحفظ الجسد عن العيون النهمة والنظرات الجائعة.. فكان يقول: انطباعي السابق ان الاسلام يمتهن المرأة ويحتقر شخصيتها.. لكنني امام امرأة بلغ اعتزازها مداه حتى استطاعت ان تتميز بملابسها وهيئتها عن جميع افراد ذلك المجتمع.. غير انها تعيش في قلبه.. اذا فما تلقنته عن الاسلام وموقفه من المرأة غير صحيح.
وهكذا كانت تلك «الصدمة» سببا في افاقته.. ثم قادته أخيرا الى الاسلام.
وقد اقترن هذا المسلم بالفتاة نفسها التي رآها وأسلم بسببها.
حتى المقصرون والمفرطون يستطيعون بالبقية الباقية لديهم من أخلاق الاسلام في ان يدعو الناس اليه.
ومن طرائف هذا الباب ان فتاة عربية مسلمة غير ملتزمة تقيم في «كندا»، وتعرفت على شاب كندي نصراني، فطلب منها الزواج فرفضت لأنه غير مسلم.
فسأل عن الاسلام فأعطته معلومات يسيرة، ولم تكترث بالامر - والله أعلم - لكنه واصل، وذهب الى بعض المراكز الاسلامية، وبدأ يقرأ بنهم حتى اقتنع بالاسلام وامتلأ قلبه به، وظهر على جوارحه وسلوكه، فأعفى لحيته، وبدأ يحافظ على الجماعة، ويقوم الليل.. ثم جاء لصاحبته يطلب يدها.. فرفضت وقالت: أنت أصبحت الآن متطرفا.
لكنه لم يلتفت إليها.
لماذا نخجل من ديننا؟
بل لماذا نخجل حتى من عاداتنا التي لا خطأ فيها فنرغب عنها شعورا بالهزيمة، وتفوق الآخرين.
ان هزيمتنا في معركة عسكرية يمكن ان تستبدل بنصر مظفر في معركة تالية، لكن الهزيمة التي لا نصر بعدها هي الهزيمة الداخلية .. الهزيمة الروحية.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved