أعز الإسلام المرأة وكرمها، وشرّع لها الأحكام، وبيّن لها حدود الواجب والمسنون والمباح والمكروه والمحرم، مثلما كرم الإسلام الرجل والشاب والطفل. فلا يختلف اثنان على تكريم الخالق جل وعلا بني آدم، فجعل لهم السمع والبصر والأفئدة، وخلقهم في أحسن تقويم. هكذا نقرأ في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهكذا كتب الأخيار من بني البشر، وكذلك تعلمنا من علمائنا الأفاضل، الذين كرمهم الله تعالى أيضاً - تكريما على تكريم - بأن سخر لهم العلم الشرعي وفقههم في الدين. وقد أوردت مصادر التشريع الإسلامي مناهج رائدة للتعامل مع المرأة كان الأجدر أن تحول دون خلاف المسلمين حول قضايا لا يزال الناس فيها مختلفين إلى يوم القيامة ممن لم ينعموا بنعمة الإسلام. غير أن استقراء الواقع السعودي المعيش يشير إلى تجذر الخلاف حول قضايا المرأة في مجالات كثيرة «عمل المرأة، خروج المرأة، قيادة المرأة، بطاقة المرأة، حجاب المرأة...» وإن شئنا الغوص في الخلاف بشكل أعمق ظهرت لنا قضايا على نحو «المشاركة الاجتماعية للمرأة، المشاركة السياسية، وقيادية المرأة،...»
ومن المفارقات العجيبة أنه على الرغم من إظهار الرغبة الصادقة في البحث عن الحقيقة الشرعية لدور المرأة في المجتمع، يجرم عدد من الكيانات المجتمعية طرح موضوع المرأة للنقاش الحر المستنير حتى في ظل الأحكام الإسلامية الأصلية المستقرة، حيث يحلو للبعض أن يصف ذلك التجريم بأنه خوف على كرامة المرأة وسد لباب الذرائع. ولا أعتقد أن علماء المجتمع ومثقفيه يختلفون حول أن بناء المجتمع المسلم يقوم على أساسٍ من القيم والمبادئ المستمدة من عقيدة المجتمع وديانته، وهي محددات معلومة بالضرورة لا يصح المساس بها إلا استناداً إلى الدليل الشرعي الصحيح. وبالمقابل يزخر المجتمع بالعادات والأعراف والتقاليد التي هي نتاج حركته الدائمة وتطوره البشري والمادي والمكاني والزماني، وهي محددات معلومة - أيضاً - بالضرورة لا يصح التسليم باستقرارها وثباتها وديمومتها إلا بالدليل العقلي المنطقي الصحيح. ومن هنا ظهرت في مجتمعنا فجوة لم ترتق، نتجت عن الخلط الكبير بين القيم والعادات، وبين المبادئ والتقاليد. ومما زاد الأمر تعقيداً، أن هذا الخلاف بات مبطناً ومختفياً ردهاً من الزمن، لأن الخوض في قضية المرأة - حتى لو بحسن نية - يعد مطية لتلطيخ السمعة، وفتحاً لباب الذرائع. وبقيت المرأة السعودية بين قطبين أحدهما يود لها القدسية ويخاف عليها من نفسها ومن الآخرين، فيوغل في حجبها ومنعها، والثاني يحمل آراء مخالفة فيما أحل الله فيه الخلاف، ويعتقد مشروعاً تطويرياً طموحاً يمكن أن يعود بمصلحة عامة للمجتمع وخاصة للنساء فيه. ولكنه لا يستطيع أن يقدم هذا المشروع، سداً للذرائع. وبقي المجتمع حائراً بين الأقطاب الثلاثة لقضية المرأة: المغالون في الرفض، والمريدون للنقاش، والمرأة نفسها التي يبدو أنها خارج لعبة الرجال أصلاً، حتى لو كانت القضية قضيتها.
ومن هنا وجد أقطاب الاختراق الدولي ثغرة ملائمة في النسيج الفكري السلوكي في المجتمع، قدموا من خلالها رؤيتهم المفعمة ببريق حرية ومشاركة المرأة، وما كان هؤلاء المريدون يستطيعون منازلتنا في قضية المرأة لو أننا كنا أقدر على تفهم أطرنا العقدية والتشريعية والفكرية، وأكثر تسامحاً في قبول التغير في عاداتنا وتقاليدنا، فقدمنا للمرأة مشروعات تنموية شاملة عملاقة تشارك هي في صياغتها وصيانتها باقتدار.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام بالرياض
|