لا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد ونسمع ونقرأ ما تخلِّفه حوادث المرور من قصص وروايات مؤلمة سواء داخل المدن أو خارجها ولاسيما أثناء الإجازات التي يتخللها السفر! وغالباً ما تكون نتيجة هذا الحادث المروع وفاة رب الأسرة أو بعض أفرادها إن لم يكن جميعها!! وهذه القصص غير نادرة الحدوث وتلك الأسرة ليستْ الوحيدة في هذه الدنيا التي قد تفقد والدها أو بعض أفرادها، بل يشاركها حتى هذه اللحظة كثيرٌ من الأطفال الذين تحولوا إلى أيتامٍ وزوجاتٍ أصبحن أرامل يقاسين الحسرة والألم والمعاناة!
هذا وتفيد الاحصائيات العالمية أن حوادث المرور تقتل - كل عام - ما يربو على (300) ألف إنسان وتصيب ما يصل إلى (15) مليون شخص! أي أن هناك وفاة كل 50 ثانية، وإصابة كل ثانية!! والحوادث المرورية ليست مشكلة فردية بقدر كونها هاجساً اجتماعياً، وهي مشكلة طرأت على مجتمع الأرض ضمن مشكلات التطور التقني حتى باتت خنجراً يسدد في قلب الوطن كل لحظة!! لدرجة أنها أصبحت تشكل المرتبة الثانية من بين الأسباب المؤدية للوفاة بعد الأمراض، ولقد تم توحيد معظم القوانين والأنظمة المرورية في العالم لأن الإنسان اجتماعي وميال للتنقل في أنحاء المعمورة، لذلك كان لا بد من إيجاد قوالب نظامية واحدة أو متشابهة تحقق للإنسان الأمن والسلامة، وقد روعي في تلك الأنظمة عدم المساس بالعقائد أو الموروثات أو الأنظمة السياسية أو الطبيعة البشرية أو حتى اللغة والمفاهيم، كما أنها مناسبة للتطبيق في كل مكان، ولكن الاختلاف يكمن في وعي كل مجتمع بكيفية الالتزام بالقواعد المرورية وإن لم يكن، يتم إيقاع العقوبات المناسبة.
في مجتمعنا تحولت السيارة من وسيلة لتيسير سُبل الحياة للناس وتسهيل انتقالهم إلى شكل للمباهاة والتفاخر والوجاهة الاجتماعية! حتى صارت لعبة في أيدي صغار السن الذين لم يدركوا حجم خطرها فأصبحتْ وسيلة لنقلهم إلى صفوف المعاقين أو ساكني القبور بدلا من نقلهم إلى مدارسهم وميادين العمل والتدريب، هذا عدا استقدام سائقين أجانب لا يعرفون حتى أبجديات القيادة وأنظمة المرور، حتى أضحت شوارعنا مسرحاً للسيارات وميداناً للحوادث وأكفاناً لرجالنا وشبابنا! ولا نعدو الحقيقة حين نقول إن تلك الشوارع والطرق أمست مقابر جماعية لأسر بأكملها!! ولا يمكن حل هذه المشكلة أو معالجة الظاهرة إلا إذا اعترفنا جميعا بوجودها وخطورتها فلا بد من الدراسة المستفيضة لأسباب تزايدها والقضاء على مسبباتها وتصحيح السلوكيات المرورية الخاطئة، والتزام جميع الأجهزة المختصة بتنفيذ الحلول بحزم وصرامة على جميع أفراد المجتمع، ومشاركة الجهات الحكومية والأهلية بالمساهمة بنشر الوعي الوقائي بين الناس، ولا سيما في الشوارع الرئيسية وعند الإشارات، كما لا بد من إدخال السلامة المرورية (مادة) في المناهج المدرسية أسوة بمادتي السلوك والتربية الوطنية، حتى يمكن لأبنائنا التسلح بالمعرفة المرورية وتجنب الأخطار.
وحين نتلمس مواضع الألم يكون من السهولة التخفيف منها، وحتى تكون السيارة وسيلة لقضاء المصالح والتواصل وخير للإنسانية لا وسيلة للنقل إلى.... القبور!!!
ص.ب 260564 الرياض 11342
|