دور الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات عنوان المحاضرة التي نظمتها مؤخراً أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية وألقاها الدكتور عبدالرحمن بن محمد القحطاني أستاذ الإعلام المساعد قسم العلوم الإنسانية/ كلية الملك خالد العسكرية في مدينة تدريب الأمن العام بمنطقة مكة المكرمة ضمن موسمها الثقافي.
ونظراً لما تحتويه المحاضرة من معلومات قيمة، وما تنطوي عليه من انتقادات بناءة، تضع المنهج الصحيح للتفاعل مع ظاهرة المخدرات، بما يحقق الاستفادة من أسس وأفكار عند القيام بجوانب التوعية والمكافحة، حرصت «الجزيرة» على عرض ما جاء فيها من مؤشرات على خطورة هذه الآفة، تعميما للفائدة المرجوة.
فلقد عالج المحاضر ثلاثة مواضيع في التصدي لظاهرة المخدرات بدأت بمقدمة تحتوي على مدخل وتوضيح حجم مشكلة المخدرات بالأرقام.
ثم دور الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات، (رؤية ذاتية)، مع طرح مجموعة من الأسئلة حول الحملات الإعلامية والعملية العلمية عند التخطيط لها.
بعد ذلك دور الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات والاتجاهات الحديثة في إعداد الحملة الإعلامية للتوعية بأخطار المخدرات.
المخدرات بالأرقام
ما من دولة في العالم، إلا وهي تعاني من مشكلة تعاطي العقاقير المخدرة بين بعض أفراد مجتمعاتها، بما يترتب على ذلك من مشاكل صحية واقتصادية واجتماعية وسياسية تهدد الفرد والمجتمع معاً، ولهذا يتزايد القلق الدولي إزاء مشكلة العقاقير المخدرة باعتبارها قضية اجتماعية واقتصادية، تتجاوز مفهوم الجريمة التقليدية، لتصبح خطراً، يهدد الأمن الوطني لمعظم دول العالم، وخصوصا أن المسألة لم تعد تقتصر على جماعات صغيرة أو كبيرة، تعمل في التهريب والترويج، بل أصبحت هناك عصابات للمخدرات تعمل مع العصابات الدولية المنظمة، وتملك إمكانات تقنية عالية وقدرات مادية هائلة، قد تفوق أحيانا ميزانيات بعض الدول.
إن المخدرات والعقاقير معروفة منذ أن خلق الله الإنسان، وهي ذات «تاريخ سيئ قديم، يكاد يصل إلى قدم تاريخ البشرية؛ فقد عرف الأفيون في الحضارة السومرية منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث أطلق علية نبات السعادة، واستعمله قدماء المصريين منذ (1500) سنة قبل الميلاد، ووصفوه كدواء يمنع الأطفال من الإفراط في البكاء.. وتعاطي المخدرات وانتشارها في المجتمع الإسلامي... ظهرت في بداية القرن السابع الهجري... حيث عرفت الحشيشة على يد شيخ من المتصوفة يدعى (حيدر) عام 658هـ» (1).
ويعود انتشار المخدرات إلى «التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة في مجتمعنا، والتي أدت إلى حالة من الارتباك في الواقع الاجتماعي، وأفضت إلى خلخلة نظام القيم التقليدية، وفرضت أنماطاً سلوكية جديدة مغايرة لما كان عليه الحال في ظل المجتمع الرعوي والزراعي، حيث انحسر الوازع الديني، وارتفع مستوى الشره الاجتماعي في الاستهلاك الكمالي والتفاخري. وأصبح البحث عن الإنجاز الشخصي يفوق في أهميته الاهتمام بشؤون الأسرة من قبل الوالدين، وانتشرت مظاهر الفردية والأنانية والغيرة، وازدادت المشكلات العائلية وانحسرت العلاقات القرابية وعلاقة الجيرة وضعفت قدرة الأسرة على مراقبة تحركات أفرادها، فكان من الطبيعي أن يفضي هذا الوضع المصاحب لمسيرة التنمية المتسارعة في كثير من الدول إلى عديد من المشكلات، ومن أهمها مشكلة تعاطي المخدرات... كما ساهمت عوامل خارجية: كالعمالة الوافدة، وعصابات المخدرات، والتواصل الثقافي والإعلامي مع المجتمعات الأخرى المخالفة وعلى سبيل المثال في العالم العربي دينا ولغة وثقافة، والسفر إلى الخارج في انتشار هذه الظاهرة» (2).
ومع محاولة دول العالم جاهدة للحيلولة دون تنامي هذه الظاهرة بالإعلان، سواء عن قتل المهربين والسجن طويل الأجل للمروجين، وغير ذلك، «ظلت عصابات المخدرات تخادع وتناور لبث سمومها إلى داخل مجتمعنا والمجتمع الدولي بشكل عام، إلى درجة أن إحدى العصابات وصل الأمر بها إلى أن عرضت تسديد ديون بوليفيا ونيكارجوا الخارجية مقابل عدم التعرض لأنشطتها المدمرة؛ فهذه العصابات لديها من الإمكانيات والتنظيم ما جعلها تملك المطارات والطائرات وتخترق بعض المسؤولين من خلال الرشاوى واستخدام أساليب التهديد والوعيد والقتل لمعاقبة كل من يقف في طريقها، وأبرز مثال على ذلك عصابات المافيا في إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها من الدول» (3).
فهناك «دول تسمح بإنتاج المخدرات، ففي الهند مثلا نجد أن الحكومة ترخص لأكبر مزارع الأفيون في أقاليم البنجاب واتاربرادش، كما أن القانون هناك يسمح للمدنين بشراء ما يحتاجونه من مخدر من الصيدليات والأطباء. والأمر لا يقتصر على الهند، فالباكستان وأفغانستان وإيران وتركيا هي أيضا من أكثر دول العالم إنتاجاً للمخدرات»(4).
حجم المشكلة
كشف كوفي عنان- أمين عام الأمم المتحدة- بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات هذا العام، أن هناك مائتي مليون شخص على نطاق العالم يتعاطون المخدرات على نحو غير مشروع، ويشكل ذلك ما نسبته (7 ،4) في المائة من سكان العالم من الذين يتجاوز سنهم الرابعة عشرة (5). وأن حوالي سبعة ملايين فرد في العالم يموتون سنوياً بسبب التدخين والخمور والمخدرات (6). و143 دولة تعاني من هذه الظاهرة الخطيرة.
ويمثل المردود أو العائد المادي للمخدرات نحو 600 مليار دولار، أي أنها ثالث تجارة بعد النفط والسلاح، وهي تقدر بنحو 8% من حجم التجارة العالمية، أي ما يعادل «10 أمثال كل المساعدات الإنمائية الرسمية» (7).
بينما يؤكد أمين عام مجلس وزارة الداخلية العرب: أن أرباح تجارة المخدرات سنوياً هو (690 مليار دولار) (8).
ويشير معهد دراسات الإدمان على المخدرات بلندن ISDD)) إلى حقيقة مؤداها أن أسعار مادة الكوكائين في كثير من بلدان الاستهلاك تتراوح بين 000 ،6 - 000 ،80 دولار للكيلو غرام من هذه المادة، وهذا يعادل أكثر من 6 أضعاف سعر كيلو الذهب، كما أن سعر الكيلو غرام الواحد من مادة الهيروين يتراوح بين 000 ،90 - 000 ،150 دولار، أي ما يزيد على 9 أضعاف سعر كيلو من الذهب (9).
وعلى الرغم من كثافة إنتاج وترويج المخدرات، فإن الضبط العالمي للمخدرات المهربة يقدر بحوالي 10 في المائة للهيروين، و30 في المائة للكوكائين (10).
وقد بلغت مداخل الإنتاج العالمي عام 2001 م (الأفيون والكوكا): الأفيون 400 مليون دولار، وأوراق الكوكا 700 مليون دولار. وهذا يساوي 2% من مساعدات التنمية العالمية عام 2000 م، و1 ،3 من إجمالي دخل الدول التي تنتج فيها المخدرات (11).
فقد أكد التقرير السنوي للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات «الانسيت»: أن الأرباح الناتجة عن المخدرات غير المشروعة تجني في البلدان التي يتم فيها بيع المخدرات وتعاطيها، فالبلاد التي تزرع المخدرات تحصل على 1% من الأموال التي ينفقها متعاطو المخدرات في حين ( 99% ) تجنيها جهات مختلفة على طول سلسة الاتجار غير المشروع بالمخدرات. حيث يشكل إنتاج المخدرات والاتجار بها ما بين 10-15% من الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان وميانمار، وبين 2-3% في كولومبيا وجمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية، وتبلغ نسبة الأرباح في الولايات المتحدة 4 ،0% من الناتج المحلي والإجمالي (12).
وقد وصلت المبالغ التي أنفقت من تجارة المخدرات في أمريكا (المستهلكون الرئيسون) للهيروين 12 مليار دولار والكوكائين 36 مليار دولار لعام 2000م. أما أوروبا الغربية، للهيروين 20 مليار دولار والكوكائين 12 مليار دولار لعام 2000م . أي أن 1% من حجم الإنفاق على المخدرات في تلك الدول يذهب للمزارعين، فيما تذهب نسبة ال 99% لتجار المخدرات (13).
في بريطانيا - على سبيل المثال- كشفت وزارة الصحة البريطانية في شهر يوليو 2002م أن ظاهرة تناول المخدرات وسط الأطفال تزداد بارتفاع أعمارهم، موضحة أن ستة في المائة من الأطفال في سن الحادية عشرة قد استعملوا المخدرات، بينما تصل النسبة إلى (56 في المائة) وسط الأطفال في سن الخامسة عشرة. وأن واحداً في المائة بين هؤلاء الأطفال قد استعملوا الهيروين الخطير الذي يقود بسهولة إلى الإدمان؛ وأن أربعة في المائة استعملوا الحشيش مصنفة في الدرجة الأولى A)) بينما 13 في المائة استعملوا الحشيش المصنف في بريطانيا كمخدر من الدرجة الثالثة (C).
وقالت الوزارة إن عدد الأطفال الذين يستعملون المخدرات قبل سن المراهقة قليل إلا أنها أيضا تمثل ظاهرة خطيرة ومثيرة للقلق (14).
أجهزة مكافحة المخدرات في الدول العربية- بالمقابل- ضبطت في عام 2001م في بعض الدول (13435) كيلو غراماً من الحشيش، و47 كيلو غراماً من الأفيون، و108 كيلو غرامات من الهيروين، و8 كيلو غرامات من الكوكائين، و50431 كيلو غراماً من الماريجوانا والبانجو، هذا إلى ضبط 37380 شخصاً متورطاً (15).
وفي المملكة العربية السعودية، فإن أنواع المخدرات التي ضبطت هي من نوع: الحشيش، والأفيون، والهيروين، والقات، والكوكائين، والأمفيتامين، والسيكونال، والكبتاجون، وتتراوح أعمار مستخدميها من ال 20 إلى 51 سنة. حيث ارتفع عدد قضايا المخدرات التي تم ضبطها خلال عام 1420ه إلى ( 10727) قضية، عما كانت عليه عام 1419ه (9407) قضايا، وعدد المتهمين إلى (15297) متهماً عما كانت عليه عام 1419ه (13838) متهماً، وأن ما تم ضبطه من المخدرات في المملكة خلال العام 1420ه:
من الحشيش (5641 كيلو جراماً)الهيروين (120 كيلو جراماً)
كوكائين (1 كيلو جرام و156 جراماً).
وقد وجد أن أحد الباعة الرئيسين في المملكة، في حي السبيل بجدة لدية أكثر من مائة وعشرين طفلاً يقومون بالتوزيع والبيع والتغطية على بعضهم (16).
وفي الكويت: بلغ عدد متعاطي المخدرات حوالي عشرين ألف متعاط، في بلد مساحته لا تتعدى خمسة عشر ألف كيلو متر مربع ولا يتجاوز عدد سكانه المليون، أي أن (2%) من إجمالي السكان يتعاطون المخدرات (17).
ويقدر حجم الأموال التي تنفق للقضاء على ظاهرة تجارة المخدرات بنحو 120مليار دولار (18).
الخلاصة
إن تجارة المخدرات تبلغ 8% من حجم التجارة العالمية. وإن 7 ملايين يموتون سنوياً من التدخين والخمور والمخدرات، وإن حجم الإنفاق للقضاء على تجارة المخدرات بلغ نحو 120 مليار دولار.
وهذا الواقع والأرقام لم تكن لتتحقق لولا العامل المساعد فيما يتعلق بتنامي حجم إنتاج المخدرات، وهو أن «التقنية المتقدمة في مجال الزراعة أدت إلى تجويد الإنتاج وزيادة كمية المحاصيل، ومنها على سبيل المثال: البيوت المحمية- تحت الأرض أو فوقها- حيث أدت إلى زراعة المخدرات على مدار العام، وارتفاع المحصول من محصول واحد في السنة إلى أربعة محاصيل سنوية؛ وكذلك الزراعة المائية للحشيش أدت إلى زيادة المحاصيل إلى ست مرات في السنة، وتمثل الأحواض الزراعية المائية للحشيش عملية متقدمة في تجويد الإنتاج وزيادته» (19).
وكما أسهمت التقنية في زيادة إنتاج المخدرات، أسهمت كذلك في سهولة تهريبها، حيث إن «استخدام مهربي المخدرات للتقنيات الحديثة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومجالات النقل والتنصت والتصوير، فضلا عن أن المجال الكيماوي ومجال الصناعات الكيماوية أديا إلى توسيع الإنتاج وتوسيع شبكة التوزيع، ولاسيما استخدام الإنترنت في عمليات التوزيع وإنتاج مخدرات جديدة» (20).
وكنتيجة حتمية لهذا التطور في إنتاج المخدرات وترويجها، «أصبحت مشكلة المخدرات إحدى حقائق العصر، فأصبحت عالمية، ولم تعد أية دولة محصنة من هذه المشكلة، واعترف العالم بذلك منذ زمن طويل، وأبدت الدول قلقها من تنامي ظاهرة المخدرات وعملياتها المتكاملة التي تبدأ بالإنتاج، وتمر بالتوزيع وتنتهي بالاستهلاك، فأبرمت العديد من الاتفاقيات على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو الدولي، وأصدرت الكثير من التشريعات التي تؤدي إلى المزيد من مكافحة المخدرات» (21). ولعل أبرز تلك التشريعات - على سبيل المثال- هو التشريع الذي تبنته المملكة العربية السعودية للعمل على مواجهة آفة المخدرات ومكافحتها والذي يجيز إعدام المهرب والمستقبل بعد استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى براءة للذمة واحتياطاً للأنفس.
إن التصدي لظاهرة المخدرات تتطلب تخطيطا شاملاً، يكون داخل نطاق ما تخططه الدول للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية والدينية. وهذا - في رأي المحاضر- غير موجود بشكل منظم وخصوصا في المملكة العربية السعودية وفي دول العالم العربي.
فكيف لنا أن نبحث عن دور الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات؟ سؤال يظل عالقاً في الأذهان لزمن أحسب أنه طويل جداً، وهذا لا يتمناه أحد.
دور الحملات الإعلامية
قدم المحاضر رؤية مغايرة لما هو علية الواقع حول دور الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات، حيث رأى إشكالية الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات يكمن بالدرجة الأولى في عدم تحديد الجمهور المعني بالتصدي، وهذا الجمهور - في رأيه- عبارة عن مجموعة من البشر الذين يقيمون في منازلهم ومؤسساتهم الفاعلة والمؤثرة، وهم على النحو التالي:
- الأسرة: حيث يفترض أن يقوم ولي أمر الأسرة بدوره على أكمل وجه في معرفة حقوق الأبناء في أن يعيشوا نشأتهم في جو يشعرون فيه بمشاعر الحب تغمرهم، وعواطف والديهم تحيط بهم، والرحمة والمودة ترعاهم، ومن الإشباع العاطفي المساواة والعدالة تسودهم، أي:
- حق التربية السليمة والرعاية المتكاملة.
- القدوة الحسنة.
- الرعاية والتربية الدينية.
- الرعاية العقلية والبدنية والصحية.
- المدرسة: فلا ريب أن المعلمين والمعلمات يقومون بدور كبير في تحقيق الأمن والتصدي لظاهرة المخدرات في المجتمع، لأنهم يمثلون مكانة تربوية واجتماعية رفيعة ولاعتمادهم فيما يقدمونه للنشء والشباب على أسس من الدين والأخلاق إعداداً روحياً وخلقياً وعلمياً عالياً؛ ذلك إذا ما أقيمت بعض موادها على التوعية والإرشاد السليم.
- المؤسسات الترفيهية والترويحية والتأهيلية: حيث يكمن دورها في الإعداد الجسماني والعقلي وشغل أوقات الفراغ للنشء والشباب في تحقيق الأمن والتصدي لظاهرة المخدرات، لأنهم «يمثلون مكانة اجتماعية رفيعة ولاعتمادهم فيما يقدمونه على أحدث الوسائل والطرق العلمية التي تنمي النشء والشباب صحياً وبدنياً وعقلياً».
- المسجد: يقوم أئمة المساجد وخطباؤها بدور كبير في تحقيق الأمن والتصدي لظاهرة المخدرات، لأنهم «يمثلون مكانة دينية واجتماعية رفيعة، ولاعتمادهم فيما يقدمونه للناس على مصادر التشريع والهداية الإلهية» (22).
- المؤسسات الإعلامية بوسائلها المختلفة، وأدوارها المتعددة في الثقافة والتوعية السليمة للتصدي لظاهرة المخدرات. فمن الناحية الوظيفية يعرف الإعلام من قبل المنظمة العالمية اليونسكو «بأنه الإدارة السياسية، والقوة الاقتصادية، والمورد التربوي الكامل، والمحرك الثقافي، والإدارة التكنولوجية» (23).
ولكن هناك إشكالية وهي: وضع الجمهور في كافة دول العالم تحت سيطرة مراكز النفوذ الإعلامي العالمية ومن ثم تحت طائلة التغريب الثقافي والتضليل وتغيب الوعي، وهو ما يؤكد الدور السلبي لوسائل الإعلام والمعلومات في إطار العولمة التي تحكم البث الإعلامي (24).
لذلك فإن دور الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات يجب أن يعكس مدخلاتها ومتطلباتها الإدارية والتنظيمية والقانونية التوجه أولا إلى الفئات التي تم ذكرها سابقا، وهم: أولياء الأمور والمسئولون في القطاعات الحكومية والأهلية والشؤون الدينية والجهات المعنية بالثقافة والإعلام والتربية والتعليم ووسائل الإعلام بدلا من أفراد المجتمع.
فالتوعية الحقيقية للتصدي هي مواجهة هذه الفئات لا مواجهة المواطنين والمقيمين والوافدين فحسب فهم يأتون بالمرحلة الثانية من مرحلة التصدي، وبعد أن تقوم الحملة الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات بجلب القائمين على تلك المؤسسات ضمن التخطيط والمشاركة في تنفيذ الحملات الإعلامية.
بعد ذلك طرح المحاضر مجموعة من الأسئلة تتعلق بالحملات الإعلامية منها: آليات التخطيط للحملات الإعلامية الأمنية، وأفضلية من يقوم بالحملة هل هي مؤسسة مستقلة خارجة عن الأجهزة الأمنية أم يقوم بها الجهاز الأمني نفسه، تحسباً للمجاملات والمحسوبية وعدم الاعتراف بالنقص أو الضعف، وعن القائمين والعاملين على الحملة هل هم من ذوي الاختصاص أم عكس ذلك، بالإضافة إلى طرحه مجموعة أسئلة هامة في العملية الإعلامية للتصدي لظاهرة المخدرات حول معالجة مشكلة المخدرات ووسائل الإعلام هل تعد ضبطاً اجتماعياً أم التزاماً مهنياً، ومسؤولية ظاهرة المخدرات، وهل الصحفيون أو الإعلاميون هم من المتخصصين أم من المجتهدين في مجال المكافحة والدراية بكيفية التعامل الإعلامي مع مثل هذه الآفة الخطيرة؟.
وأكد المحاضر أن الحملات الإعلامية هي مواضيع خادعة، حيث يمكن تحويل المشكلة الاجتماعية إلى قضية اجتماعية بدلا من الإجابة عليها بصراحة وشفافية متى وكيف حدثت؟ ولماذا حدثت؟.
ورأى أن ثمة ضرورة ملحة من إحداث تغير جذري وسريع في فهم العملية الأمنية والتربوية لمعالجة ومكافحة المخدرات والتصدي لها، والتخطيط للحملات الإعلامية التي يتم تنفيذها عبر وسائل الإعلام وقنوات الاتصال البشرية وفق نظام ومحددات علمية لا تخضع مقياسها إلى صفة القائم على التأسيس العلمي كونه عسكرياً أو مدنياً، إنما تذهب إلى الأخذ بالسمات الفكرية العلمية العملية البحثية، والمرتبة ترتيبا علميا ومنهجيا، فضلا على التحرك السريع في توحيد مراكز الأبحاث والدراسات في أجهزة القطر الواحد تحت مظلة واحدة وتنظيم إداري عصري ينتج منه توحيد العمل الفكري الأمني والبحث العلمي والترشيد المالي والذي ينعكس في هذا المقام على التصدي الحقيقي لظاهرة المخدرات.
وخلص هذا الموضوع إلى أن الأخذ بالاتجاهات الحديثة في إعداد الحملة الإعلامية للتوعية بأضرار المخدرات والتصدي لظاهرة المخدرات لا يمكن أن تنجح إذا أغفل الأخذ بالتخطيط الإعلامي والأخذ بالتخصصات والعلوم الاجتماعية الأخرى؛ (الإدارية، والإعلامية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والحاسب الآلي وغيرها من العلوم المساعدة)، فضلا على أن الحملة الإعلامية للتوعية بأضرار المخدرات ليست مسئولية الأجهزة الأمنية وحدها بل كافة المؤسسات الحكومية والخاصة والعامة نحو دور حديث للحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات، وإعداد الحملة الإعلامية للتوعية بأضرارها، كواحد من أهم أساليب التصدي.
وختم المحاضر بالقول إن التصدي لظاهرة المخدرات رغم مخاطرها العديدة وسلبياتها الخطيرة، قضية غير شائكة وغير معقدة، فهي تحتاج فقط إلى عقول صادقة وجهود متعاونة من جميع قطاعات المجتمع المختلفة الحكومية منها والأهلية، من أجل التصدي المثمر لها.. فالمسؤولون في القطاع المعني بالمكافحة، ورب أو ولي أمر الأسرة، والمعلم والمعلمة، والمربي والمربية، وأئمة المساجد، وأقطاب ومسؤولو الكلمة في وسائل الإعلام، والقائمون على قطاع الشباب والرياضة والأندية والثقافة، بالإضافة إلى القائمين على المراكز التأهيلية والصحية، كلهم يمثلون أدوات فاعلة - إعلامية، وتربوية، وتوجيهية - مؤثرة في تكوين الرأي العام الشعبي للتصدي لظاهرة المخدرات, تلك القطاعات هي بالفعل جمهور القائمين على الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات. ويبقى بعد تحديد الجمهور المعني، توحيد الرسائل والبرامج والأنشطة التي تقوم الحملة الإعلامية، بحيث توجه بشكل يخدم عملية التصدي، وذلك لأن أي تناقض في تلك الرسائل والبرامج والأنشطة وأي تساهل من أي منها في التصدي لظاهرة المخدرات سوف يؤدي بلا شك إلى تفاقم الظاهرة ونتائج مستقبلية أخطر مما نعرف اليوم. إن هذا الاتجاه التوفيقي بين الجهود الحكومية والأهلية في مجال التصدي لظاهرة المخدرات هو ما ينبغي التأكيد عليه، باعتباره نهجاً تربوياً وإدارياً احترازياً يعزز الشعور الخاص قبل العام بأهمية سلامة المجتمع والتصدي لظاهرة المخدرات لدى أفراد المجتمع، وهذا هو ما يعنيه المحاضر بدور الحملات الإعلامية في التصدي لظاهرة المخدرات.
|