Friday 28th november,2003 11383العدد الجمعة 4 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
نرجسية.. «نحن الأفضل»7/8
د. عبدالله بن ناصر الحمود (*)

تزخر خارطة العالم المعاصر، والعالم الإسلامي منه، بتجارب شعوب الأرض ومجتمعاتها المخضرمة العابرة من حضارات ولّت وأدبرت إلى حضارة يشرق فجرها ويبزغ نورها. وهي شعوب خبرت خير الدنيا وشرها، وشكلت لمواجهة الخيرية والأخرى، مؤسسات عملاقة، وأنظمة معاصرة، نقلتها من حال التردي والهوان إلى مصاف الدول الصناعية العملاقة، ففرضت على الآخرين وجودها بكل اقتدار، وراح يحسب لها هؤلاء حسابات دقيقة، ويترقبون مخرجات تجربتها الثقافية الاجتماعية، كأنموذج رائد في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بأسلوب أدهش الأغلبية من شعوب الأرض وحكوماتها. التجربة اليابانية واحدة من تجارب العالم الآخر التي خرجت من وسط الركام والدخان والمبيدات البشرية «الهيروشيمية» و«النجازاكية» فاستطاعت خلال عقود قليلة أن تقض مضاجع سادة العالم الشقر، وأن ترد «الصاع صاعين» بأسلوب خاص عماده العمل والإنجاز والسلام والتقانة الفائقة القدرة. والتجربة الماليزية قفزة أخرى في العالم، غير أنه هذه المرة «العالم الإسلامي»، رائدة النمور، مع أنها في أقصى الشرق وليست في وسطه!! خرجت بمجتمعها من معدلات متواضعة للمعيشة إلى مشارف الدول الصناعية، قوامها في ذلك «الفكر الإنساني المستنير» والسعي نحو الأفضل بتجرد وعقلانية مهتدية عالية، فأضافت للفكر الإسلامي مدرسة لم يعهدها من قبل، وعاش الناس فيها مقبلين على الحياة غير مدبرين عنها، طامعين في الأفضل دائماً لا عاشقين للموت والهلاك، وقدمت للعالم أنموذجا للتطور الاقتصادي المهيب.
ولكننا، هنا، مع إيماننا العميق بأن الله سبحانه وتعالى قد جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا، ومع التسليم بأن من مقتضيات التعارف تبادل الخبرات والمكتسبات المادية والمعنوية، والعيش في بيئة إنسانية قوامها الأخلاق المتبادلة بين الناس والتكامل الفطري بين المجتمعات، خرجت بيننا فئة تعشق الرفض والتشكيك في كل شيء، وتحسب أنها الأفضل والأسمى والأتقى على الأرض، والأجدر بعمارتها. وراحت تسفّه كل شيء لا يكون منها، وتهجر أي تجربة لا تعيشها، فالعدل ما رأته عدلا، والجور ما سواه. وقد شكلت هذه النرجسية البغيضة كيانات مجتمعية منعزلة عن الواقع حولها دون أن تشعر أو تحس بالانعزال، لأن العالم الآخر في قاموسها هو المنعزل عنها. وقد وجد أقطاب الاختراق في هذه النرجسية مداخل عديدة مكّنتهم من تسليط أبناء المجتمع على ذواتهم وأهليهم، تماماً كما يعتقد هؤلاء الأبناء - عقوقاً - أن الفناء أجدر من البقاء في ظل عالم لا ينقاد لهواهم وأطماعهم، ولا يخضع لمقاييسهم التي يرون أنها القسطاس المبين. فصار بذلك المحظور، ووقعت الوقائع، ودفع جلّ الناس ثمن انشقاق نفر منهم، غرتهم أمانيهم، وساقتهم أهواؤهم، واستحكمتهم الأباطيل.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام بالرياض

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved