الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.. أما بعد:
فقد جعل الله تعالى - وله الفضل والمنة - شهر رمضان المبارك بمثابة دورة تدريبية مليئة بأنواع من العبادات العملية والخلقية القاصرة على النفس والمتعدية الى الناس وهذه الدورة ذات جوانب:
الأول: الالتزام بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة - خصوصاً في النهار - وعلى امتداد الشهر فإن المسلم يتحلى بالصيام فيقوي ايمانه فيحافظ على فريضة الصلاة حيث أمر الله تعالى بها لعلمه ان الصلاة أعظم عند الله تعالى من الصيام لأن الصلاة مفروضة طول العام ولأنها شرط النظر في العمل يوم القيامة وشرط من شروط قبوله فإنها أول ما ينظر من العمل فإن وجدت نظر في سائر العمل وإن لم توجد لم ينظر فيه، ومن جهة أخرى فإن تركها كفر لدى جماعة من أئمة الاسلام ومن كفر لا يقبلها منه صوم ولا غيره. وكذلك فإن المسلم يتحلى بالجود والكرم رجاء أن يجود الله تعالى عليه بالعفو والمغفرة وجزيل المثوبة فيؤدي الزكاة الواجبة ويكملها بالصدقة النافلة وينفق على أهله وغيرهم نفقات طيبة والله تعالى وقد وعد أهل الصلاة والزكاة والطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرحمة فقال تعالى:{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وقال في آية أخرى: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
الثاني: الجانب الخلقي حيث يعود الصيام الصائم الصبر والحلم والعفو والصفح فلا يرفث ولا يصخب ولا يقابل السيئة بمثلها بل يرد على من سابه أو خاصمه بقوله أنا امرؤ صائم، فكل هذه العبادات الجليلة والاحسان المتواصل والأخلاق الحميدة وغير ذلك من شرائع الاسلام جنسها موجود طول العام والحاجة داعية اليها في حق الخاص والعام وإنما رمضان بمثابة دورة مكثفة تمارس فيها تلك الأعمال والأخلاق لتزداد رسوخا في النفوس وتصلح بها القلوب وتنتفع بها المجتمعات وتعظم بها الأجور لوقوعها في زمن فاضل يضاعف فيه العمل والثواب، ويجبر بها المرء مصابه في نقص عمره وقرب أوان انقطاع عمله ونزله قبره ليمهد لرمسه قبل نزع نفسه فإن عمر الانسان في عد تنازلي بحسب مضي اللحظات والأيام وتوالي تصرم الشهور والأعوام. فمن أدرك ذلك وتصوره علم أنه بعد رمضان بأمس الحاجة الى مواصلة العمل والتخلص من الآثام والزلل لأنه على قدر بعده من ذلك الشهر يدنو من القبر ولهذا نصح الله تعالى الجميع بقوله تعالى:{يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا آمٌنٍوا} أي دوموا على خصال الاسلام وحقائق الايمان حتى تلقوا الرحمن وبقوله تعالى:{وّاعًبٍدً رّبَّكّ حّتَّى" يّأًتٌيّكّ اليّقٌينٍ} والمقصود بالعبادة الطاعة بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور حتى يأتي اليقين وهو الموت الذي قد استيفن الجميع أمره وآمن المؤمن بما بعده.
الى قوله تعالى:{أٍوًلّئٌكّ يٍجًزّوًنّ الغٍرًفّةّ بٌمّا صّبّرٍوا وّيٍلّقَّوًنّ فٌيهّا تّحٌيَّةْ وّسّلامْا} والغرفة هي الجنة ففازوا بالنجاة من النار وسكنى الجنة دار الأبرار بما صبروا ومن ضعف في قيام العشر الأواخر فقد نقص صبره ومن هجره فقد نفذ صبره وإنما ينال أطيب العيش في الدنيا والآخرة بالصبر والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فلا ايمان لمن لا صبر له.
ومن عاش هذه الشهر الكريم بجليل أعماله وعظيم خصاله المثمرة لصلاح القلوب وصفاء السرائر ونور البصائر والأنس بمناجاة الله تعالى والتلذذ بذكره طمعاً في فضله ورحمته وحذراً من غضبه وعقوبته من عاش هذا الشهر الكريم بهذه المعاني والقيم والأعمال والابتهال ثم نكص على عقيبيه بعده فهجر المساجد وانقطع باب عمله من السماء من دخول أعمال صالحة منه فقد نقض غزله بعد قوة أنكاثاً وبرهن من واقع أمره وآخر عمله براهين يقينيه على أنه لا يصلح لمرافقة محمد صلى الله عليه وسلم { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } لأنه انقطع في عرض الطريق وارتضى غير سبيلهم لما تخلى عنه التوفيق والعبرة بالخواتيم وآخر سجل الموظف له أثره في تقويم أدائه وما يترتب عليه على نهاية خدمته وللناس نصائح لبعضهم في الحث على المربح من أمور الدنيا والنصح في أسباب الفلاح في الآخرة أولى لأن خسران الآخرة هو الخسران المبين.
|