كما أن الحياة لها غرائبها وأمورها التي لا يمكننا نكرانها، وكما أن الأيام تأتينا بالجديد والشيء المتوقع، وغير المتوقع بقلة أو كثرة، وكذلك الإنسان نفسه وجسده، وروحه وقلبه هو عبارة عن جملة معقدة من الحالات والاستجابات، والتنبهات المختلفة.
وكل إنسان بالتأكيد يتحلى بصفات جميلة عظيمة طيبة مباركة وبصفات أخرى ذميمة قبيحة سيئة، وتختلف نسبة هذه الصفات أو تلك من شخص لآخر، وخير الصفات هو ما انضوى تحت لواء الإسلام، وبقدر انتماء الإنسان للإسلام الدين الحنيف بقدر ما كان سلوكه وصفاته موافقة للشرع، وبالتالي كانت صفات رائعة زكية والعكس بالعكس بالتأكيد، ونحن نعلم: (أن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
من أروع الصفات التي يحلم بها كل ذي بصيرة أن يكون على خُلق التواضع، فالتواضع هو ميزة النفس القوية، والإنسان القوي، وليست ميزة للإنسان الضعيف الهزيل. التواضع لا يقدر عليه إلا ذوو الهمم العالية، والنفوس الكبيرة، والأفكار النيِّرة المعطاءة الذين يقبلون الحق كبر أم صغر، حتى ولو على أنفسهم بلا تردد، وبلا خوف ولا وجل، إنه صفة الإنسان الذي لا يعرف التكبر، والخيلاء والمباهاة، والانتهازية، والظلم، وكره الناس، وبغضهم.
وبالطبع فإن التواضع لا يعني الخنوع، والخضوع على الإطلاق، فكل ذي حق يجب أن يأخذ حقه، وكل إنسان من حقه أن يصل إلى حجمه الحقيقي بلا زيادة ولا نقصان.
إن من الأمور الخطيرة أن يظهر بعض أرباب العمل المتواضع ضعفاً، وبالتالي يعمدون إلى إذلال أصحابه، وهذا سيأتي بنتائج عكسية مع الزمن، وكذلك من الأمور الخطيرة أن يصل التواضع بصاحبه إلى درجة قبول أي شيء حتى ظلم نفسه بشكل غير مقبول، وكما قلنا مراراً فإن كل شيء زاد عن حده انقلب لضده، فللتواضع أوقاته المناسبة، ولدفع الظلم أوقاته، ولتحصيل الحق أوقاته، والحياة هكذا، والتواضع سمة الإنسان الرفيع عالي الهمة دون أدنى شك. والله الموفق.
|