نحن في أمس الحاجة إلى صياغة العديد من التعاريف والمصطلحات بمنطق يتماشى مع ما أقرته الشرائع السماوية والقوانين والأعراف الدولية ويتماشى مع ما تهتف به الملايين من شعوب العالم كل يوم..
أولاً: محاربة الارهاب ذلك المصطلح المطاطي الذي أصبح بإمكانه ابتلاع دول عربية وإسلامية بكاملها، إن الارهاب لا يمكن أن تحدد تعريفه الولايات المتحدة الأمريكية وحدها وأن تحصره وتحدده في الإسلام والمسلمين ولا يمكن القبول بهذا التعريف والتسليم بذلك والانجراف وراءه، وماذا عن الارهاب الإسرائيلي الذي يمارس في فلسطين المحتلة كل يوم ويهدد أمن سوريا ولبنان، في أي خانة نضعه وتحت أي مصطلح وتعريف نضعه؟؟؟ وما هو المصطلح الذي يجب أن نطلقه على ما تقوم به قوات الاحتلال الأمريكي في العراق من قتل يومي عشوائي يخلف عشرات الضحايا من الأطفال والمدنيين الأبرياء، واقتحام المنازل وترويع النساء والأطفال، وبث الرعب والزعر في نفوس الآمنين وتعامل الشعب معاملة تفتقر للحد الأدنى من الانسانية؟ والرسالة المحمدية لم تنزل والإسلام لم يظهر في العالم في الحادي عشر من سبتمبر 2001م الإسلام عمره أكثر من ألف وأربعمائة عام، فكيف نربط أحداث 11 سبتمبر والارهاب بالإسلام؟ هناك أسباب أخرى حقيقية سببت ذلك وأمريكا وإسرائيل أكثر من يعرف تلك الأسباب، والإسلام أبعد ما يكون عنها.. وجميع الجرائم والممارسات المدانة في العالم لم يتطرق أحد لذكر ديانة أصحابها، فما هي ديانة هتلر والنازية وما هي ديانة «موسوليني ومكيافيللي والفاشية وما هي ديانة مفجر أوكلاهوما وما هي ديانة كارل ماركس والشيوعية التي كانت تلقبها أمريكا بإمبراطورية الشر وما هي ديانة منظمة «إيتا الانفصالية» بإسبانيا التي تطالب بانفصال اقليم «الباسك» وتقوم بأعمال إرهابية ومدونة كمنظمة ارهابية، ومنظمة «الألوية الحمراء» في ايطاليا وعمرها أكثر من ثلاثة عقود ومن أشهر المنظمات الارهابية المدرجة في قائمة الارهاب، ومنظمة «الخمير الحمر» بكمبوديا منظمة ارهابية عمرها أكثرمن عقدين من الزمن، ومنظمة «كاخ» الصهيونية العنصرية المتطرفة التي كان يتزعمها الحاخام «مانير كاهانا» وكانت تقوم بالمذابح والقتل حتى داخل الحرم الابراهيمي،لم يذكر أحد انتماءها الديني لأنها ليست مسلمة، ومنظمة «الجيش الأحمر الأيرلندي» في بريطانيا التي تطالب بالحكم الذاتي لأيرلندا وما تقوم به من تفجيرات سنوياً وخاصة في المناسبات الوطنية والأعياد في بريطانيا وقتلت الكثير من الضحايا لعقود من الزمن، ومنظمة «التاميل» في سيريلانكا منظمة قامت بعمليات ارهابية ومدرجة في قائمة الارهاب لكن أحداً لا يذكر انتماءها الديني لأنها ليست مسلمة، وغيرها من المنظمات الارهابية التي لاتحصى ولا تعد ولا يشار لانتماءها الديني لأنها ليست مسلمة.. أليس هذا قمة التطرف الغربي؟
ثانياً: ما هو تعريف الدولة الداعمة للإرهاب؟ وما هو تعريف الدولة التي تدعم الارهاب الإسرائيلي وتمده بالأسلحة وبالضوء الأخضر الفاقع ليقتل يومياً العشرات بل المئات من المدنيين الأبرياء في فلسطين المحتلة ويهدم المنازل ويجرف الأراضي وخلف أكثر من أربعة آلاف يتيم وأرملة، ويمضي قدماً في بناء الجدار العنصري وتصرف له المكافآت بالمليارات وتحميه بالفيتو الدائم في مجلس الأمن؟
* يوجد خلل رهيب في موازين العدل والإنصاف في العالم، وفي تعريف الإرهاب، وتوجد ازدواجية رهيبة في التعاطي مع الأحداث الخطيرة المتجاوزة للشرعية الدولية ولمرتكبي جرائم الحرب لأن مرتكبيها فوق القانون، و«فوبيا الإسلام» في الغرب والممارسات الهستيرية مع المسلمين أليست قمة التطرق الغربي؟ أليس هذا سبباً كافياً لإنعاش العنف والتطرف وصنع ما يسمى بالإرهاب؟
وإن كانت حكومات العالم لا تجرأ على قول الحقيقة ووضع المصطلحات والتعريفات في مكانها المناسب وعاجزة عن تسمية الأشياء بأسمائها، فلقد قالها الملايين من شعوب العالم بإعلان نتائج الاستطلاع التي أعلنتها «المفوضية الأوروبية» يوم الاثنين الموافق 3/11 نوفمبر 2003م، بأن الغالية العظمى من شعوب الغرب وخاصة من أوروبا يؤكدون بأن «إسرائيل وأمريكا» يشكلان أكبر تهديد للسلام في العالم، وبالطبع خرجت هذه الحقيقة للنور لعدم وجود فيتو أمريكي يحميها ويحجبها في رئاسة الاتحاد الأوروبي..
ثالثاً: ما هو تعريف المقاومة المشروعة؟ على دول العالم التي ذاقت الغزو والاستعمار في الماضي أن تجيب، وهل يمكن استبدال مصطلح مقاومة بمصطلح ارهاب؟ سواء ذلك في فلسطين المحتلة أو العراق المحتل، إنها أمور بديهية وأقرتها جميع الأديان السماوية والقوانين والأعراف الدولية و «أمريكا» تحديداً التي اتخذت بريطانيا حليفاً لها في غزوها للعراق تدرك جيداً أنها لم تتحرر في الماضي من الاحتلال البريطاني سوى بالمقاومة الأمريكية المستمرة له..
يقول الفيلسوف الفرنسي الكبير بيير يورديو الذي يعتبر المسيطر على الفكر الفرنسي في النصف الثاني من القرن العشرين في كتابه «سوسيو لوجيا الجزائر» عندما ذهب للخدمة العسكرية في الجزائر وهي تحت وطأة الاستعمار الفرنسي: إن معاناة الشعوب العربية والمسلمة مع الاستعمار الغربي تكمن في أن هناك تصادماً بين ثقافتين مختلفتين ومتعارضتين والمستعمر الغربي يرى أنه يملك من المقومات ما يؤهله لفرض الهيمنة السياسية والاقتصادية على الثقافة الأخرى، مما قاده لذكر اللا مساواة والتفاوت الاجتماعي والظلم الذي يمارسه الاستعمار الغربي على الدول التي يغزوها سواء في الجزائر أو مصر أو أي قطر عربي أو إسلامي فرض عليه وصايته، وأساليب التمويه التي يلجأ لها المسؤولون الغربيون لاخفاء تلك الممارسات، ويدلل على ذلك بحال المهاجرين الجزائريين في فرنسا الذين يعانون البؤس والتفرقة والتهميش ويعتبرون مواطنين درجة ثانية.
إن بيير بورديو وأمثاله من المثقفين الشرفاء في الغرب يدركون جيداً أن «لا الإسلام ولا مناهج التعليم» هي التي أنجبت حركات التطرف الديني أو ما يسمى بالأصولية أو التشدد، أو ما يسمى بالإرهاب وقالوا وكتبوا ذلك صراحة، لأن الحركات الأصولية نشأت وتأسست وانطلقت من أكثر الدول معاناة من قهر الاستعمار وبطشه وذله مثل مصر على يد الاخوان المسلمين ثم التكفير والهجرة ثم تنظيم الجهاد والفكر الأصولي والحركات الإسلامية أيضاً في الجزائر، فكانوا يرون أن من أنجب وأوجد ذلك هو الاستعمار الغربي لتلك البلدان «كرد فعل طبيعي» فتلك البلدان على سبيل المثال أكثر من عانى من وطأة الاستعمار، فمصر عانت زل وقهر المستعمر الفرنسي والبريطاني معاً، كما عانت الجزائر من الاستعمار الفرنسي ومازالت تنشد الاستقلال الكامل وعدم الوصايا عليها من أحد.
رابعاً: من العار بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمان على احتلال إسرائيل لفلسطين أن تتحدث الدول العظمى والهيئات العالمية عن «مسار السلام» و «خارطة الطريق»، وإسرائيل ماضية قدماً في بناء الجدار العنصري الفاصل والخانق للفلسطينيين، أي سلام هذا الذي تبني إسرائيل في مواجهته جداراً؟ ناهيك عن الممارسات اليومية الدؤوبة من القتل والاغتيالات وهدم المنازل وتجريف الأراضي.. السلام ليس مساراً ولا خارطة، السلام لا بد أن يكون واقعاً ملموساً ومطبقاً على أرض الواقع.. كفانا مراوغات.. ومصطلحات رمادية ومسكنات زائفة سئمناها ولم تعد تخدر آلامنا..
لقد نشرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 22 أكتوبر 2003م مقابلة مع غربيين اعتنقوا الإسلام في الغرب، تحت عنوان «أصوليون جدد عيونهم زرقاء ولحاهم شقراء يعيشون في بريطانيا ويحلمون بدولة الخلافة الإسلامية» يتناول بعض اللقاءات مع عدد من المسلمين الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام الأصولي في الغرب «ويريدون أن يثأروا لما يتعرض له الإسلام والمسلمين في العالم من تطرف غربي، ويقولون بالرغم من التضييق الشديد في أوروبا على المسلمين إلا أن هناك اقبالاً كبيراً على الإسلام من الأوروبيين».
يتحدث أحدهم وهو طالب بريطاني بجامعة «شيفيلد» بأنه وجد نفسه يواجه الغرب الموحش بكل آفاته من الخمر والنساء ولم ينقذه من ذلك سوى اعتناقه للإسلام..
ويقول المهندس عبدالقادر ديربار وهو ايرلندي يبلغ من العمر 56 عاماً واعتنق الإسلام منذ عدة سنوات بأنه لن ينسى اللحظة التي نطق فيها بالشهادتين لأنها اللحظة الأكثر «قوة وتحرراً» في حياته.. ويقول إن الشيطان يحكم المجتمع الغربي وأنواع الكفر تتحرك أمام أعيننا يميناً ويساراً، وتنتابني حالة من الخوف شبه يومية أن يعتدي أحد على زوجتي لأنها منقبة أو على بناتي..
ويقول «بنجامين يونغ» وهو من أصل صيني وغير اسمه بعد أن أعتنق الإسلام إلى «حمزة» بأنه من الضروري أن يعي الشباب المسلم ما يتعرض له المسلمون في فلسطين والشيشان والعراق من قهر وكبت.. ومراجعة بسيطة لصفحات لجان حقوق الإنسان على الانترنت تشهد بالاضطهاد الذي يتعرض له هؤلاء..
ويقول الدكتور «زكي بدوي» مدير الكلية الإسلامية بغرب لندن إن هؤلاء الأوروبيين اعتنقوا الإسلام الأصولي بغضاً في ثقافتهم ويقول الأستاذ «محمد صوالحة» رئيس الرابطة الإسلامية في بريطانيا إن الإعلام الغربي يهتم دائماً بالتطرف والأصولية وهو ما يبرز دائماً في كافة وسائل الإعلام الغربي..
ونحن نعلم أن الإعلام الغربي يريد من وراء ذلك تشويه صورة الإسلام والمسلمين ولأن الأمر سلاح ذو حدين فما حدث هو اقبال الكثير من الغربيين على الأصولية والسبب كما قال الدكتور زكي بدوي والأستاذ محمد صوالحة هو بغض هؤلاء الغربيين في ثقافتهم.. وكما ازدادت التيارات الإسلامية تطرفاً ستجذبهم أكثر فأكثر لها.. إذاً التطرف الغربي ووسائل الإعلام الغربية ساهمت بشكل أو بآخر في انعاش التيارات الإسلامية الأصولية والمتطرفة..
كما بثت قناة «العربية» بتاريخ 6 رمضان.. لقاءات مع غربيين اعتنقوا الإسلام ويقولون بأنهم لا يسمعون سوى لغة التهديد والوعيد مع العرب والمسلمين ولا تستخدم الحلول الدبلوماسية معهم وتشن الحروب عليهم متجاوزة للشرعية الدولية ويقتلون في فلسطين وفي أفغانستان وفي العراق، كما تهدد دول أخرى عربية وإسلامية..
وتقول الصحفية البريطانية التي كانت قد وقعت في قبضة طالبان بتهمة التجسس، إن المسؤولين في وسائل الإعلام البريطانية غضبوا منها كثيراً لأنها أعلنت بعدما أطلق سراحها، أنها لم تتعرض لمضايقات أو اغتصاب وعاملتها قوات طالبان معاملة إنسانية حسنة، ويقول مدير مركز إسلامي في بريطانيا ان الأصولية المسيحية في أمريكا أكثر تطرفاً من الصهيونية نفسها، وبسؤال أحد الأكاديميين البريطانيين عن أحداث 11 سبتمبر، يقول ان المتطرفين من الطرفين يغزون بعضهم البعض، وسؤال عن المساواة بين المرأة والرجل في الغرب يجيب أحد الأكاديميين البريطانيين اعتنقوا الإسلام، إن المساواة تلك: استغلت المرأة في الغرب وأرهقتها وظلمتها، بينما المساواة في الإسلام مساواة تحترم الاختلافات، والدليل على ذلك اقبال النساء على الإسلام أكثر من الرجال في الغرب ففي أمريكا مؤخراً وفي عام واحد اعتنقت أكثر من مائة ألف امرأة الإسلام مقابل ربع هذا الرقم من الرجال.
- كما بثت «العربية» في الرابع من رمضان لقاء مع مسؤول جمعية خيرية إسلامية لإغاثة الفلسطينيين في بريطانيا وهي تأوي حوالي أربعة آلاف يتيم، يقول إن رسالة جاءته عبر الانترنت من مواطن أمريكي يقول له إن «بوش» يقول عنكم بأنكم «تمارسون الإرهاب»، فلا شك إذاً بأنكم تقومون «بعمل سام» ثم أرسل بشيك يحمل تبرعاً للجمعية.
وتبقى أسئلة تطرح نفسها:
- لماذا حجاب المرأة المسلمة يستفز الغربيين وأصبحت الكثير من المحجبات يعانين الاضطهاد والاعتداء ويحرمن من الدراسة والعمل في الغرب؟
- لماذا ما قاله رئيس وزراء ماليزيا «مهاتير محمد» في مؤتمر القمة الإسلامية العاشر «بأن اليهود يحكمون العالم بالوكالة» أثار ضجة وموجة عارمة من السخط والغضب وسيلاً من العقوبات من الدول الغربية على ماليزيا، بينما تصريح نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون المخابرات الجنرال الأمريكي «ويليام بويكين» بأن الإسلام والمسلمين عدو روحي يدعى الشيطان، وإلهنا حقيقي بينما إله المسلمين فهو مجرد وثن..» لم يلق الاستنكار والعقاب اللذين يستحقهما من الغرب، ولم يلق رد الفعل الذي يستحق في عالمنا الإسلامي «من غضب ومطالبة بمعاقبته وإقالته»؟
(*)عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس: 6066701 - 02
ص.ب: 4584 - جدة:21421
|