Friday 28th november,2003 11383العدد الجمعة 4 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أولادنا.. أكبادنا.. كيف نربّيهم؟! أولادنا.. أكبادنا.. كيف نربّيهم؟!
د. محمد بن سعد الشويعر

إن ما يعتزّ به الأب، ثمرة فؤاده، وحشاشة قلبه، ذلك الابن، الذي يهتمّ به الأبوان، ويرقبان فيه النتيجة الطّيبة، والسمعة الحسنة، بل مهما بلغ الأب من الشهرة والجاه، إلا إنه يتمنى لابنه أن يعلو قدره، وأن يصيب من النجاح، والنفع للمجتمع، ولمن حوله، ما تقرّ به عينه،
ويسوؤه انحدار هذا الابن، إلى الدرجة الوضيعّة: سواء في خلقه، أو في عمله أو سمعته، مدركاً دلالة هذا البيت المنسوب للإمام الشافعي رحمه الله:
نِعَمُ الإله على العباد كثيرة
وأجلهنّ نجابة الأولاد
ولكي يحرص الآباء والأمهات، على حسن التّوجيه والرّعاية لأولادهم، نطرح أمامهم هذا السؤال:
ونعني بالمال: أنفسه وأثمنه، أو حسبما يقال: ما خفّ حمله وغلا ثمنه..
لا شكّ أن كفّة الولد في الإجابة سترجح، ليصبح هو الأغلى والأنفس عند الوالدين.. وإذا ألقينا نظرة على المجتمع في تعامل أبنائه.. نراهم يحيطون الولد برعاية وعناية، أقلّ في الاهتمام والمحافظة من المال..
فالمال يحفظ في الخزائن القوّية، ويودع البنوك، ويوثّق في التعامل والمداينات، وبالصّكوك والعقود إذا كان عقاراً، علاوة على القلق النّفسي، والجهد البدني، مع عمل الاحتياطات المشددّة، حتى لا تبرز ثغرة ينفذ منها من يترقّب ليسطو على هذا المال.. وأضرب هذا المثال، لنحرص على تربية أولادنا من توجيهات شريعتنا.
أما الولد الذّي هو أعزّ وأثمن من المال، فبماذا نحفظه؟ وما هي السبل التي نأمن بها عدم التّعدي على هذه الجوهرة الثمينة.
تلك الدّرة التي نرخص المال في سبيل حمايتها من الآفات المادّية المحسوسة، علاوة على الجهد البدني والقلق النفسي، عندما يصيب جسم هذا الولد، شيء مهما صغر أو كبر لحرصنا على الإبقاء على حياته بكل ما نستطيع، ونحزن لفقده أو إصابته.. هذا بالنسبة لبدنه، فكيف نحافظ على عقله من التّلوث وسلامة فكره من الأفكار السيئة، المنافية لفكر الإسلام، وما تحثّ عليه تعليماته وشريعته التي شرعها الله سبحانه.
فإذا كنا نحفظ جسمه من باب الوقاية الصّحية بما جدّ في الطب من جديد، كل وقت بما يناسبه، لقاحاً وعلاجاً ووصفات وغير ذلك.. فإن الإسلام قد وضع أسساً لتربية العقل، والمحافظة على الفكر، بحصانة أكمل وأقوى من الحصانات الطبية التي هي من اجتهادات البشر، فتخطئ وتصيب، كما يقال: خطأ الطبيب يدفنه القبر.
إن شريعة الإسلام أعطتنا أسساً وقواعد، آمن وأثمن من أنواع الخزائن، التي تحفظ فيها الأموال النفيسة وذلك لحفظ عقول شبابنا، حتى لا يتسلّط دخيل على أفكارهم بالتلوث، لإفسادها ودفعها للفساد الذي لا يحبه الله ولا يرضاه، لمن في قلبه إيمان.
وذلك لأثرة الشباب على النفوس البشرية وأمم الأرض، ومن المؤسف أن بعض المادّيين، ومن لا يدين بالإسلام، يهتمون بذلك توجيهاً وتعليماً، ومن غير منطلق الإسلام وما يدعو إليه، بينما نرى كثيراً من المسلمين يفرّطون فيما بين أيديهم من حصانة وعناية، لينتج عن ذلك خلل في التربية والتوجيه للشباب، حيث تتخطّفهم الأيدي الآثمة، وقد بان أثره في مجريات الأحداث: من غلوّ وتطرف، وإرهاب وإفساد وإضرار.
ونظرة الإسلام التربوية التعليمية، ذات شقين:
شقّ: عميق الجذور يبدأ مع الأبوين قبل اقترانهما، يمثّل التّخطيط في العرف الاقتصادي.
وشقّ: يمكن معه تدارك بعض الخلل الذي نشأ عن قصور الرقابة والتوجيه.
فالأول: نستمده من بعض النصوص ذات الأثر البعيد في مقصده، المفيد في نتائجه، والتي لا يضعها أمام عينيه كثير من الرجال بكل أسف عندما يفكّرون في الزواج، في مثل هذه النصوص، التي متنها يكفي عن شرح دلالتها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لثلاث: لمالها ولجمالها ولحسبها.. فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وقوله: «إياكم وخضراء الدّمن؟. قالوا: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟. قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء».
وحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤية الخطيب إلى مخطوبته: وقال: «لعله يُؤدم بينهما».
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد الثاني يؤكد ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: اختاروا لنطفكم فإن العرق دسّاس.
وحتى لا تخدع الإنسان النظرة، أو تخفى عليه طبائع في الزوجة أو أسرتها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بصلاة الاستخارة: ركعتين يسأل المستخير ربّه، فيما قصد إليه من الزواج، ويسأله سبحانه ان يختار له ما لا يختار لنفسه، فإنه سبحانه علاّم الغيوب.. فإن اطمأن قلبه مرة أو أكثر اقدم، وإن استوحش تأخّر والخيرة فيما يختاره الله.
ثم أبان صلى الله عليه وسلم أهمية تيسير الزواج وقال: «خيرهن أيسرهن نفقة».
ثم يتدرّج التوجيه عند دخول الرجل بزوجته: ليأخذ بناصيتها ويقول: «اللهم اني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشرّ ما جبلت عليه» «اللهم ارزقها مني وارزقني منها».
ويبدأ ليلته بركعتين يسأل الله فيهما، بما يشاء.. لتكون فاتحة أمره عبادة لله.. ولكي تتعوّد زوجته على ذلك.. حيث جبلت المرأة على حبّ ما يحبه الزوج، حتى تدوم العشرة.
أما عند الاتصال بين الزوجين: فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الله، والتّسمية بالله الرحمن الرحيم، والدعاء المختصر: اللهم جنبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن كتب لهما في تلك الليلة مولود لم يضرّه الشيطان.
هذا أهم من الاحتياطات الطبية، بالتحليل والفحص قبل الزواج، لأن الأول يتعلّق بالحصانة العقلية وبالنجابة وبالصلاح والهداية إلى طريق الرشد والخير والفلاح التي مع سعادة الوالد ينتفع المجتمع كلّه، ويسلم من الشرور والفساد. «للبحث صلة».
سبب التوبة
ذكر التنوخي في كتابه: الفرج بعد الشدّة: أن رجلاً من أولاد التّجار، زالت نعمته وصار بواباً لأبي الحسين العلوي نقيب الطّالبيين ببغداد، قال: حدثني خالي وكان صيرفياً، قال: كنت وجماعة من اخواني، عند بعضنا نشرب وعندنا غلام، ونحن نأكل بطيخاً، وفي يد كل واحد منّا سكين، فأخذ الغلام يمزح مع واحد منّا في يده سكين، ليأخذها منه، فرمى بالسكين كالضجر من مجاذبته إيّاها، فوقعت في قلب الغلام، فتلف في الحال فقمنا لنهرب، فقال صاحب البيت: ما هذه فتوّة، إمّا ان نبتلى كلّنا، أو نتخلّص كلّنا، فأغلقنا الباب وشققنا بطن الغلام، فألقينا ما فيه في المستراح، وفصّلنا أعضاءه، فأخذ كل منا عضواً، وخرجنا متفرقين لنلقي ذلك بحيث يخفى خبره فوقع معي الرأس، فلففته في فوطة، وجعلته في كُمِّي.
فلمّا مشيت استوقفني رجّالة المتحسب، فقبضوا على كمّي، وقالوا: قد أمرنا المحتسب بختم كل كيس نجده حتى يفتح بحضرته ويخرج ما فيه، وتؤخذ منه الزائفة.
فوقفت بهم وبذلت لهم دراهم كثيرة، فلم يجيبوا ومشوا بي معهم، وأمسكوني يريدون المحتسب.
فنظرت فإذا أنا هالك، وفكّرت في الحيلة والخلاص، فلم تتّجه حتى رأيت درباً ضيّقاً لطيف الباب، كأنه باب دار، وأنا أعرفه منفذاً، فقلت لهم: أنتم تريدون ختم كيسي، فما معنى تشبثكم بيدي وكمّي، كأنني لصّ؟، أنا معكم إلى المحتسب، فخلّوا عن يدي.. ففعلوا وأطافوا بي.
فلما صرت على باب الدّرب، سعيت فدخلته واغلقت بابه، واستوثقت منه، وسعيت إلى آخره، فإذا بئر كنيف قد فتحت لتنقّى، وتُرِكَتْ مفتوحة، فألقيت الفوطة بما فيها في البئر، وخرجت أسعى من طرف الدّرب الآخر، حتى بلغت منزلي، وحمدت الله تعالى على الخلاص من الهلكة وتبت من ذلك اليوم عن النّبيذ «2: 58-60».

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved