أكبرتُ شجاعة الشيخ علي الخضير والشيخ ناصر الفهد برجوعهما إلى الحق والتبرُّؤ من الفتاوى التكفيرية التي صدرت منهما سابقاً والتي شكلت منطلقاً وسنداً لمن قاموا بالعمليات الإرهابية التي روَّعت الآمنين، وقتلت الأبرياء واتضحت فداحة تلك الفتاوى كما اتضح من تراجع الشيخ أنه لم يكن يتصور أن تؤول الأمور إلى هذا الحد من سفك الدماء، وأن التجربة بيَّنت له أن النتائج كانت أسوأ مما توقع وأن من تعلقوا بفتواه تسبَّبوا في جرائم عظيمة أخلَّت بالأمن في هذا المجتمع الآمن، ومع ذلك كله فإن عودة الشيخ الخضير والشيخ الفهد إلى بيان الحق وجادة الصواب أعتبره شجاعة وخطوة في الاتجاه الصحيح لأن الواجب على العالم أن يتبيَّن الحقيقة ويعود إلى الرشد وأن تكون خشيته لله عز وجل والخوف من عقابه أشد من خشية الناس وليس عيباً أن يتراجع شيخ عن فتواه لكن المنزلق الخطير هو الاستمرار في الخطأ، وما حدث يوضح المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء في وجوب النظر إلى الأمور والعواقب والتأمل فيها ومعرفة المصالح والمفاسد والضرر والنفع قبل الاستعجال في إصدار الفتاوى من منطلق العاطفة أو التأثر بسرعة مجريات الأمور في العالم حولنا مما يزيد الطين بِلَّة والأمور تعقيداً، وهذا الرجوع يحتِّم على كل من اتبع فتواهم أن يراجع نفسه ويثوب إلى رشده وإلى جماعة المسلمين.
هذا جانب أما الجانب الآخر من المشكلة والذي لا يقل أهمية عن سابقه هو الشباب المتحمِّس المندفع خاصة حديثي السن الذين لا يملكون خبرة ولا مرجعية تمكنهم من تمحيص ما يتلقونه نتيجة صغر السن وسرعة الانقياد والحماس الزائد ومرجع ذلك في رأيي عدم وجود المناهج التي تتلاءم مع واقع الشباب في عصرنا الحاضر وأن ما يتلقونه يعود إلى مئات السنين.
إن أهم نقطة ينبغي الحفاظ عليها في المناهج وعدم تبديلها هي أن تكون موافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بمعنى أننا لسنا ملزمين بتعليم مناهج قد تكون جيدة وممتازة لمن عاشوا في عصر الدولة الأموية أو الدولة العباسية أو غيرها من الحِقَب الإسلامية السابقة فذلك اجتهاد من علماء عصرهم ممن نظروا في واقعهم وما يتطلبه من مضامين وقوالب تتماشى معه، وهي مسألة خاضعة للدراسة والمراجعة وأعتقد أن المضامين التي تدرس لشباب اليوم لا تصلح لمواكبة عصرنا الحاضر فقد تبدَّلت الأحوال واستجدَّت أمور كثيرة في جميع جوانب الحياة ينبغي مراعاتها وأن تكفل صياغة المناهج - وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - تخريج شباب ذوي قدرة على التفكير والتمحيص من منطلق علمي يملكون من خلاله القدرة على تحليل المعلومات واتخاذ المواقف وفق منطق صحيح لا جرياً وراء عاطفة مندفعة أو الانقياد خلف تضليل لا يملك الشباب وسيلة لدفعه كما أنَّ التركيز على الحوار بين الشباب ومعهم عنصر مهم لحل المشكلة الحالية المتمثلة في الفجوة الكبيرة بين العلماء والشباب ولا يجب أن ينتظر العلماء إقبال الشباب عليهم بل يفترض أن يأخذوا المبادرة بالتوجه إليهم وتلمُّس قضاياهم وما يشغل بالهم فهي السبيل الوحيد لردم الهوة بين الطرفين.
علاج مشكلات المجتمع يكون من خلال النظرة التمحيصية لما يعانيه من سلبيات واستخدام التعليم كأداة تربوية قوية لبناء المجتمع فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وليس الحل في ردود الأفعال فرد الفعل لا يحل مشكلة وأعتبره تسكيناً مؤقتاً للألم لا يجدي على المدى الطويل.
|