|
|
يطلب اليوم من العالم الإسلامي، أكثر من أي زمن مضى، أن يكون أقدر على الاتصال بالعالم الآخر، وأن يكون أيضاً أقدر على استيعاب اتصال العالم الآخر به وتوظيف كل من الاتصالين لتحقيق المصالح العليا للمجتمع المسلم وللمجتمعات الإنسانية كافة. وذلك نظرا لأن عملية الاتصال الراهنة بين الدول الإسلامية وغيرها من دول العالم تتسم بسمات خاصة يشير إليها عدد من الدراسات المتخصصة، لعل من أهمها أن عملية التواصل الحضاري، عملية معقدة جدا ولاسيما من خلال اعتمادها على التطور الهائل في وسائل الاتصال والصناعات التكنولوجية، مما جعل العالم يتجه نحو التصاغر النسبي شيئاً فشيئاً. وكنتيجة طبيعية لهذا التصاغر، فإن التفاعل بين العالم الإسلامي وغيره من شعوب العالم سوف يزداد وتزداد الحاجة إليه. كما أنّ الواقع العالمي القائم اليوم على عملية الاتصال قد ألقى بظلاله على المجتمعات الإسلامية وأضعف دور المجتمع المحلي باعتباره مصدرا للهوية الذاتية؛ مؤدياً بذلك في معظم الأحيان إلى ظهور حاجة جديدة للاتصال على مستوى العالم وكذلك مع أبناء المجتمع الواحد. فلم تعد أدبيات الانغلاق والانكفاء على الذات «الثقافية» قادرة على تقديم النموذج الذي يتطلع إليه العالم. فالبيت والمدرسة والمسجد والنادي والصحافة والتلفزيون والإذاعة والإنترنت في العالم الإسلامي يجب أن تستشعر حساسية المرحلة وثقل الأمانة في عدة قضايا، كما يجب أن يتضح بما فيه الكفاية أن التسليم بأهمية الحوار مع الآخر بطريقة إيجابية لا يلغي حق الآخر في الدفاع عن آرائه ووجهات نظره حتى لو كانت خاطئة من وجهة نظر أخرى. ولكن، عوضا عن التسليم بأن فكر الانفتاح الإعلامي مضاد لفكر الانغلاق على الهويات الذاتية، وأن معطيات هذه المرحلة تتطلب التوجه نحو العمل الجاد لبناء معايير أخلاقية للممارسة الإعلامية والاتصالية على مستوى العالم، بدا العالم الإسلامي - بشكل عام - ينوء بالتباكي على الهويات الذاتية وتقاذف التهم بين أبناء الثقافات المتعددة بل وأحياناً بين أبناء الثقافة الواحدة نفسها. واتجه بعض الناس إلى مزيد من رفض الآخر وتحجيم الحوار معه، فتشكلت بذلك كيانات مجتمعية انعزالية انطوائية مغالية تكفيرية رافضة لكل شيء عدا ما استقر في أعماقها من نزعات وأفكار وهمية. وظهر في مقابل هذه الكيانات كيانات أخرى تتوق للخلاص من وحدوية الرأي وتتطلع إلى فتح أبواب الحوار والنقاش. وقد وجد أقطاب الاختراق العالمي أن هذه البيئة المغلقة قد شكلت أجيالاً غير قادرة على استيعاب التحولات الدولية الكبيرة والدفاع عنها، فأبدع الغرب في الهجوم من هذا الباب وقدم مشروعه الديموقراطي الحواري المنفتح إلى جماهير تتوق للحوار والانفتاح ولا تملك آلياته. وبدا مصطلح «الآخر» من المصطلحات الجذابة في المداخلات الفكرية والثقافية كشيء يبدو جديداً على الساحة في العالم الإسلامي. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |