حكمة الصوم في رمضان وحكمة العيد من بعده.. حكمتان عظيمتان تضيعان على كثير من المسلمين في هاتين المناسبتين المقدستين.
ففي رمضان يتهالك الناس على محلات الأطعمة ويقبلون على شرائها منذ آخر أيام شعبان، وتمتلئ البيوت بكافة أنواع الحلويات والمشهيات وفي الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان تنتقل هذه الأفواج وهذا الزحام إلى أسواق الملابس فتمتلئ الأسواق امتلاءً مؤذياً فلا تكاد تجد موقفاً لسيارة ولا حتى للماشي على قدميه ويختلط الحابل بالنابل والرجال بالنساء وتقع من المحظورات والمنكرات ما يجب على المسلم تجنبه بعد شهر من الصوم والعبادة والتقرب إلى الله ورجاء المغفرة.
نقبل على الطعام في رمضان وكأننا عشنا شهر شعبان كله صياماً! ونقبل على شراء الملابس ونتزاحم في اليومين الأخيرين من رمضان وكأننا كنا عراةً طوال العام وكأن السوق لم تفتح أبوابها إلا في هذين اليومين!
وفي هاتين المناسبتين يستغل ضعاف النفوس من التجار استعجال الناس وتزاحمهم وحرصهم على الشراء فتنفق البضاعة الكاسدة أو المنتهية وتتضاعف أسعار البضاعة الجديدة من طعام ولباس وخاصة أسواق الملابس ويتحقق لهم من المكاسب ما لا يتحقق في أي شهر من شهور السنة.
وماذا يجني المستهلك المسلم من وراء هذا كله؟ يجني زيادةً في وزنه وكبراً في كرشه ومضاعفات لأمراضه إن كان من أصحاب الضغط والسكر والكوليسترول أو يخرج من رمضان مهدداً بها وإن كان فقيراً أو محدود الدخل يخرج بهلاك ميزانية مصروفاته وتضاعفها فيجد نفسه قد أنفق في شهر ما يمكن أن ينفقه في شهرين أو ثلاثة.
في حين أن الحكمة من رمضان هي الشعور بالجوع لتحس بمعاناة الذين لا يجدون ما يأكلون، وتمتنع عن الأكل في النصف الأول من النهار لا لتأكله مرة واحدة في المساء وإنما لتتخفف من ثقل المادة وتحقق نوعاً من السمو الروحي يعينك على العبادة وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كثرة الأكل على العموم عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قل طعامه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعامه سقم بطنه وقسا قلبه»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب» «ما زين الله رجلاً بزينة أفضل من عفاف بطنه».. فهل عملنا بهذا حتى تسمو أرواحنا وتنشرح صدورنا وتقوى أجسامنا على الصلاة والقيام؟!
أما فرحة العيد فهي ليست في شراء أفخر أنواع الملابس والخروج بها إلى الناس، صحيح أن المسلم مطالب بإظهار نعمة الله عليه، ولكننا للأسف نفهم إظهار النعمة بشكل أناني بعيد عن روح الإسلام.
.. فرحة العيد الحقيقية تتمثل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدخل على بيت من المسلمين سروراً لم يرض الله له سروراً دون الجنة».. فرحة العيد الحقيقية أن ندخل السرور بكافة السبل للآخرين فنزور الجار وإن لم نكن نعرفه وأن نصل من قطعنا من الأرحام والأصدقاء ونواسي المرضى بالتعهد والزيارة ونعطي الفقراء مما أعطانا الله، فقد أمرنا ديننا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني».
فرحة العيد الحقيقية أن نتخلى عن أنانيتنا المفرطة وإسرافنا على أنفسنا وأن نتواضع لعباد الله «فلا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر»، وأن نرحم «فمن لا يرحم لا يُرحم» وأن «نتقي النار ولو بشق تمرة فإن لم نجد فبكلمة طيبة».
وكل عام وأنتم طيبون.
|