من أجمل الساحات التي يتجول فيها الناس مستمتعين بجمال طبيعتها، وشذا ازهارها، وخرير سواقيها، وتغريد اطيارها، ساحة مفتوحة للنسيم العليل يداعبها بأنامله الرقيقة، ويهز أغصانها هزا خفيفا، يعزف به عزفا يطلق عليه الناس حفيفا، وترسم الشمس بأشعتها من اوراقها لوحة طبيعية رائعة من الظلال على أرضها الخضراء، فما تشاهد العين الا ما يسر القلب، ولا تسمع الأذن إلا ما يشرح الصدر.
ساحة فسيحة الجوانب يسير فيها الانسان بين أشجار وارفة، وأزهار نضرة وانهار جارية، وبلابل مغردة، وفراشات ملونات تطير بين واحات آمنة مطمئنة لتضيف الى لوحتها الجميلة جمالا، وإلى بهاء صورتها بهاء.
ساحة مفتوحة للحب والامل والصفاء، للخير الذي لا ينقطع، وللسعادة التي لا تنتهي، وكيف تنتهي سعادة مربوطة بالنفس المطمئنة، والقلب المؤمن بالله؟
إنها ساحة التوبة التي لا تغلق ابدا، ولا تضيق بمن يسير فيها ابدا، ولا تخيب ظن من يبحث فيها عن الراحة أبدا.
ساحة التوبة مفتوحة على مصاريعها الكثيرة تستقبل وفود الزائرين بالآلاف والملايين ناشرة لهم اعلام الامل المشرق، مهدية اليهم طاقات من ازاهير القبول إذا صدقت النية، وصفت السريرة، وتوجه القلب الى الله بصدق واخلاص ساحة التوبة المفتوحة، تنتشر فيها لوحات بديعة تحمل من الكلمات المشرقات ما يقضي على اليأس والقنوط، ويزيل الكآبة عن الوجوه، بعد ان يجتث جذورها من القلوب.
لوحة كبيرة معلَّقة على جذع شجرة من اشجار ساحة التوبة نقشت فيها آيات من كتاب الله الكريم، إذا رآها الداخل الى الساحة انشرح لها صدره، وسعد بها قلبه وهو يتلوها في خشوع { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أٍوًلّئٌكّ جّزّاؤٍهٍم مَّغًفٌرّةِ مٌَن رَّبٌَهٌمً وّجّنَّاتِ تّجًرٌي مٌن تّحًتٌهّا الأّنًهّارٍ خّالٌدٌينّ فٌيهّا وّنٌعًمّ أّجًرٍ العّامٌلٌينّ }
وهكذا أينما اتجه السائر في هذه الساحة المفتوحة رأى لوحة جميلة وأبصر أفقا فسيحا من الرحمة والمغفرة التي يمسح الله به خطايا التائبين.
في ساحة التوبة يتعلم الناس لغة خاصة، لغة التوبة التي تتميز بجمال ألفاظها، وسلاسة أسلوبها، واشراق تراكيبها، ونصاعة بيانها، وسمو بلاغتها.لغة التوبة التي تتحدث بها القلوب، وتنطق بها خلجات النفس واضحة جلية قبل أن تتحول الى كلمات تتحدث بها الألسنة معبرة عنها، موضحة لأبعادها ومراميها.
في ساحة التوبة المفتوحة لا مكان لليأس، ولا موقع للقنوط، ولا مجال لسوء الظن، وكثرة التأويل والتعليل والتحليل، ولا مجال للحديث عن الاخطاء السابقة اذا حصلت التوبة الصادقة، فالإسلام يجبَّ ما قبله، والتوبة تجبُّ ما قبلها كما ورد عن الصادق المصدوق عليه افضل الصلاة والسلام.
في ساحة التوبة المفتوحة لا مجال لآراء الاشخاص وتخرصاتهم، ولا للسخرية والاستهزاء، لأن هذه الساحة مفتوحة من الله عز وجل، هو الذي فتحها لعباده التائبين، ومهَّدها لهم، واجرى فيها انهار اليقين والطاعة، وأنبت فيها اشجار الامل والرجاء، وازهار السعادة والهناء، وبنى فيها حصون القبول، وقلاع المغفرة، ونصب فيها خيام الرحمة، انها ساحة لجميع الخلق لا موضع فيها لقدم مكابر أو يائس أو مستهزىء او مصر على ذنبه وخطيئته، انها ساحة كل مخطىء يتوب، وكل متجاوز للحد يراجع نفسه، وكل مسرف في أهوائه ورغباته وشبهاته يوقف نفسه عند حدها، ويعزم على توجيهها الى الخير، وردها عن الشر.
في ساحة التوبة عبارات ترحيبية بليغة من أبرزها قوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} «جميعاً؟» نعم، ثم نعم، فلا نامت أعين القانطين.
إشارة:
ولربما أخطأت، لكني إلى
رشدي أتوب وخالقي أستغفر
|
|