Wednesday 26th november,2003 11381العدد الاربعاء 2 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أنت أنت
في حكمنا على الآخرين مجالات التغيير: أن نتمهل
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

الشاعر والرسام وجودهما نادر في الشعوب على مستوى العالم.. كذلك الموهوبون في كل مجال.. أما البقية فهم مثلي وربما مثلك.. نتذوق ونستمتع بالقصيدة أو اللوحة وربما لا نتذوقها ولا نستمتع بها.. لكننا لسنا مؤهلين لنقدها والحكم عليها بالجودة أو الرداءة، إلا إذا كنا نملك أدوات النقد الموضوعي المتعارف عليها.. النقد الفني التقني الذي يصدر عن معرفة وتجربة ومهارة.. وليس النقد الانطباعي أو الأخلاقي أو التوجيهي..الصادر من فراغ.
وعدم التأهيل هذا ينطبق على كافة مناحي الحياة.. فليس بالضرورة ما أراه «أنا» أو تراه «أنت» من ناحية صلاحه أو بطلانه.. جودته أو رداءته.. هو الصحيح وعلى الجميع الالتزام به.
القاعدة الشرعية تقول ان الحكم على الشيء فرع من تصوره.. والتصور يتجاوز حدود العلم بالشيء فقط الى معرفة ظروف الزمان والمكان المحيطة به.
هذه القاعدة الشرعية العظيمة حري بنا ان نطبقها على أنفسنا وعلى حكمنا على الأشياء.. لأن هذا سوف يريحنا حتما وسوف يقلل التلوث العقلي والفكري الذي يصيب أبناءنا نتيجة سماعهم لأحكامنا الفظيعة التي هي في أغلبها غير صحيحة..


وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوَّده أبوه

كما يقول الشاعر يجب أن نعود أنفسنا على الامتناع عن اصدار الأحكام القاطعة.. خصوصاً عندما تكون أحكاماً انفعالية سريعة ووليدة لحظتها.. ناهيك عن أنها ناجمة غالباً دون خلفية عن مسببات صدور ذلك الحكم القاطع.
يجب ألا نقر من يقول ان هيئة الأمر بالمعروف بحاجة الى شطب أو الغاء وأنها علامة تخلف، بسبب وقوع بعض التجاوزات من بعض أفرادها.. كما يجب ألا نقر من يقول ان الشعر الحديث يهدف الى تدمير العربية وصولا لهدم الاسلام لأنه لم يلتزم ببحور الخليل بن أحمد الفراهيدي.
أيضا ليس من حق أحد أن يقول ان هذه القصيدة جيدة وبالتالي يفترض ان الجميع يرون ذلك.. أو أن تلك اللوحة غير جميلة وبالتالي يفترض ان الجميع يرون ذلك.
ليس من حقي أو حقك أن نقول: هذا كاتب سيء ويجب أن لا ينشر له.. وذاك لاعب ممتاز يجب أن يلعب في المنتخب.. وذلك اداري فاشل ويجب أن يُستغنى عنه.
والسبب أنني وأنت غير مؤهلين للحكم على كل شيء في هذه الدنيا.. كل منا مؤهل للحكم على شيء واحد أو شيئين.. لكن مستحيل أن نكون مؤهلين للحكم على كل شيء وأي شيء.. وفي نهاية المطاف فإن من مصلحة الوطن أن يعد رأيك كرأي واحد من مجمل آراء سكان الوطن من أقصاه الى أقصاه.
سأل رجل آخر: كيف ترى الناس؟.. فأجابه: أراهم كالنمل.. رد عليه الأول: إنهم يرونك كذلك.. هذه حقيقة كلنا يسمعها.. لكن كم منا يدركها؟.. وكم منا يلتزم بأداب ادراكها وحدود معرفتنا بها؟.
إن ايماننا ببطلان الأديان الأخرى مثلا.. لا يعني أنها أديان مكذوبة على الله عزوجل.. بل تعني أنه تم نسخها بهذا الدين الجديد.. كما تعني ان شعائرهم هي ما فرضها الله عليهم.. وان بطلت بعد الدين الجديد.. لكنها ليست خرافات فكَّر بها الانسان وعمل بها.. فالشعوب الغربية ليست شعوباً بدائية.. ولكن لها تاريخها البعيد وحضارتها الراقية.. وهي سيدة الحضارات القائمة حالياً.
في عقيدة اليهود أن العمل يوم السبت حرام.. اسأل نفسك: ما هو رأيك بهذه الفتوى التي يؤمن بها اليهود وأشياعهم؟.. وثق ان هذا هو تماماً رأي كل من لا يدين بالاسلام في تحريم الموسيقى والفن التشكيلي في العقيدة الاسلامية.. إن تحريم العمل يوم السبت على اليهود والموسيقى على المسلمين هي توجيهات تعبدية.. وليس بالضرورة أن يكون لها معنى كتحريم العقيدة المسيحية الزواج بين أبناء وبنات العمومة.
ولندخل في عمق الموضوع ونقول ان تعداد سكان المملكة قرابة العشرين مليوناً.. منهم أربعة ملايين ونصف يسكنون عاصمتها.. وهذا يعني ان الأعداد مهولة.. ولا يمكن أن يتقارب أو يتفق كل هؤلاء على رأي واحد أو ذائقة واحدة أو فكر واحد.. وليس من الصالح ان يتحدوا أو يتقاربوا في الذائقة أو غيرها.. كما أنه من المدمر فرض ذلك عليهم.
لتكن أحد أعمدة التغيير في سعينا للمستقبل الأفضل أن نعوِّد أنفسنا على أن لكل ذائقته ورأيه.. ويجب أن نتعامل معه إن كتب لنا أن نتعامل معه.. بالحسنى والمنهجية الأخلاقية والانسانية.
هذا الالتزام في التعامل مع الأشياء بالحسنى سيقودنا للابحار الى المستقبل في محيط هادئ.. وإلا فنحن نجدف في بحر هائج ووجوهنا ميممة للخلف وسواعدنا تدفع وهي منهكة دون معرفة للوجهة الصحيحة، ودون حساب للصخور والشعاب المرجانية التي ربما تحطم الزوارق وتكسر المجاديف وتكون العقبة الكأداء في طريق مستقبلنا.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved