|
|
لقد استطاع المجتمع السعودي - وبمستويات نموذجية - التحول من المجتمع البسيط إلى المجتمع المدني الوسائلي خلال جيل واحد مضى، ودخل معترك العلاقات الدولية باقتدار عبر قنوات الاتصال والتواصل المتعددة، غير أنه من أعجب ما يلاحظه المراقبون في تركيبة المجتمع السعودي خلال العقود القليلة المتأخرة، عزوف كيانات وأفراد متعددين فيه عن التجديد، ومناهضتهم لمبدأ التغيير بشكل عام. ولذا، بقيت كثير من مكونات الفعل الثقافي - الاجتماعي دون تطوير لسنوات متتالية: من ذلك ركود الأنظمة واللوائح الإدارية في عدد من الأجهزة الحكومية والخاصة، وبقاء المناهج الدراسية لسنوات طويلة دون تطوير ملحوظ، حتى في تخصصات عليا إنسانية وتطبيقية يتغير واقعها المجتمعي والعالمي بمتوالية هندسية، وغير ذلك من آليات ومحركات الفعل الاجتماعي الثقافي في المجتمع. وقد نتج عن ذلك أن تشكلت مفاهيم وأفعال وعادات مجتمعية وأنماط إدارية تنظيمية لا يتسق بعضها مع أبسط قواعد التطور الاجتماعي، وأصبحت عملية التغيير المجتمعي أكثر تعقيداً حتى لو كان ذلك التغيير في إطار العادات والتقاليد المجتمعية التي تعد في الفكر العالمي أهم مواطن التغير والتحول عبر الأزمنة والعصور، أو حتى في مجال الآليات والتنظيمات المتطورة بالضرورة في معظم دول العالم المتقدم. وظهر الانقسام واضحا بين مؤيد ومناهض لمبدأ التغيير، وبدأت الكيانات المجتمعية تنظر إلى بعضها البعض بشيء من الارتياب كلما لاح في الأفق رغبة للتغيير ولتطوير الواقع الذي كان يجب أن يتطور بالضرورة، فآثر كثيرون العمل بما لا يصح العمل به من آليات بالية، وارتضى آخرون أنظمة إدارية غير متسقة مع متطلبات العصر والمرحلة، ودرّسوا مناهج يعلمون أنها قد باتت متقادمة. ذلك أن لسان حال عدد من رواد التغيير غير القادرين على تحقيقه قد أصبح «الباب اللي يجيك منه الريح، سده واستريح» فسُدّت بذلك أبواب خير كثيرة وبقيت أحوالٌ الأصل فيها التطوير دون تطوير، وتقادمت مناهج وطرق وآليات، وضعفت في مواجهة الواقع العالمي المتغير، فرأت قوى الاختراق الدولي في هذا الواقع بيئة مواتية، اختارت من بين مركباتها «المناهج الدراسية» المتقادمة والتي يمكن القول بأن رؤية الجمهور العريض في المجتمع تجاهها ليست محددة بشكل قطعي، نتيجة ركودها الطويل، وبياتها الصيفي والخريفي والشتوي والربيعي، وعدم إخضاعها باستمرار للنقاش والحوار والتطوير الإيجابي المتكرر، حتى بدا الحديث عن تغيير المناهج مهلكة، وكأن الأصل فيها البقاء على حال ما بقيت السموات والأرض، وانقسم الناس حولها كما أرادت قوى الاختراق أن تنقسم. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |