* موسكو-سعيد طانيوس:
رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الأحداث الأخيرة في جورجيا جاءت نتيجة سلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها القيادة السابقة للبلاد، وقال في كلمة التي ألقاها أثناء اجتماع الحكومة الروسية اليوم: لم تكن الأحداث الأخيرة التي وقعت في جورجيا غير متوقعة بالنسبة لروسيا، لقد جاءت تلك الأحداث كنتيجة طبيعية لسلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها القيادة السابقة للبلاد في المجالات الخارجية والداخلية والاقتصادية لسياسة الدولة.
وأشار بوتين إلى أن السلطات الجورجية السابقة انتهجت سياسة خارجية لم تأخذ في الحسبان الجذور التاريخية والثقافية العميقة للشعب الجورجي ولم تراع أيضا الواقع الجيوسياسي.
وذكر بأن السياسة الداخلية للقيادة الجورجية السابقة لم تعزز مؤسسات البلاد الديمقراطية أو أسس الدولة بل ساد فيها تقلب عاجزبين مختلف القوى السياسية في البلاد، وعلق بوتين على السياسة الاقتصادية للسلطات الجورجية السابقة قائلا انها أدت إلى قيام صراع من أجل الاستحواذ على الصدقات القادمة من الخارج، وقال الرئيس الروسي بأن موسكو تتوقع أن تبذل السلطات الجورجية المقبلة كل ما بوسعها من أجل إعادة علاقات الصداقة مع روسيا. وأشار إلى أن تغيير السلطة في جورجيا على خلفية ضغوط القوة الشديدة يثير القلق لدى روسيا، ورأى بوتين أن شيفاردنادزه لم يكن في يوم من الأيام دكتاتورا، وقال بهذا الشأن: «إن من يقوم بتنظيم مثل هذه الأعمال أو يشجعها يتحمل المسؤولية أمام الشعب الجورجي الذي تربطه علاقات أخوية مع روسيا طوال قرون عديدة»، وفيما عاد وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف إلى موسكو قادما من جورجيا التي قام فيها بوساطات بين المعارضة والرئيس ادوارد شيفارنادزه بتوجيهات من الرئيس الروسي ادت لاضطرار الاخير إلى تقديم استقالته من رئاسة البلاد.
قالت مصادر سياسية رفيعة في موسكو ل «الجزيرة» ان ايفانوف قطع وعدا ثابتا لشيفارنادزه باستقباله في العاصمة الروسية واتاحة المجال له للاقامة فيها معززا مكرما اذا ما ارتأى مغادرة جورجيا واللجوء إلى اي بلد آخر، واشارت إلى ان هذه الضمانات ساهمت اسهاماً كبيراً في اقناع شيفارنادزه بالاستقالة وبالتالي بحل الازمة الناشبة هناك، ولم تستبعد هذه المصادر ان يلجأ الرئيس الجورجي إلى روسيا للاقامة فيها في المستقبل القريب، لافتة إلى ان الوساطة الروسية انقذت شيفارنادزه من التعرض للتصفية الجسدية على ايدي مسلحين من المعارضة بالاشتراك مع وحدة من الجيش كانت على اهبة التحرك إلى القصر الرئاسي مساء السبت الماضي، وكان وزير الخارجية الروسي قد أجرى مباحثات مع الرئيس الجورجي السابق شيفاردنادزه وكذلك مع زعماء المعارضة الجورجية في يوم الأحد، وقال عقب لقاءاته مع المسؤولين الجورجيين إنه أنجز مهمته كواسطة خير ويجب على الشخصيات السياسية القيادية الجورجية الآن أن تقرر مصير بلادها، وفي هذه الاثناء أكدت نينو بورجانادزه التي تتولى اختصاصات رئيس جمهورية جورجيا أن السياسة الخارجية الجورجية الهادفة إلى ضم جورجيا إلى المنظمات الأوروبية والأورأطلسية ستبقى حالها دون أي تغيير، وأشارت بورجانادزه التي بث التلفزيون الجورجي كلمتها الليلة الماضية في محاولة لتطمين موسكو إلى أهمية استعادة علاقات الجيرة الطيبة مع دولة كبيرة مثل روسيا، وقالت إن البرلمان الجورجي الأخير الذي فجر انتخابه الوضع في البلاد بين السلطة والمعارضة لم يكن مشروعا لأن الانتخابات التي أجريت لتشكيله شهدت مخالفات كثيرة تشوه وتزور نتائجها وهو ما اعترض عليه المواطنون، ولهذا يظل البرلمان الذي شكل عام 1999 قائما بكل اختصاصاته، وناشدت بورجانادزه جميع الداعين إلى تغيير نظام الحكم أن يكونوا هادئين ويعملوا على إعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وتعتزم نينو بورجانادزه التي تتولى اختصاصات رئيس جمهورية جورجيا توجيه دعوة إلى أعضاء البرلمان الجورجي الذي شكل في عام 1999 ليعقدوا اجتماعا طارئا بغية وضع خطة عمل لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي ومعاودة الأجهزة الأمنية نشاطها، واحتفل الآلاف من مؤيدي المعارضة المتجمهرين قبالة مبنى البرلمان حتى ساعات الفجر بالانتصار الذي أحرزته المعارضة باضطرارها رئيس الجمهورية للاستقالة من منصبه، وقال سرغي بيريخودكو، مستشار الرئيس الروسي ل «الجزيرة» ان تسليم اختصاصات رئيس جمهورية جورجيا إلى رئيسة البرلمان الجورجي نينو بورجانادزه لا يعني توافقا كاملا بين القوى السياسية والقومية الجورجية، واعتبر ان القرار بتسليم بورجانادزه سلطات رئيس الجمهورية بصورة مؤقتة إن دل على شيء فهو يدل على ان هناك توافقا وهميا فقط مشيرا إلى انه ينبغي ان تمثل بورجانادزه نوعا من الحكومة المؤقتة التي تمهد لانتقال السلطة إلى برلمان جديد وشرعي.
وأشار إلى ان الوضع الراهن في جورجيا يتطلب إجراء انتخابات برلمانية جديدة ديمقراطية وشفافية بحضور أكبر عدد ممكن من المراقبين الدوليين، ثم يجب إجراء انتخابات أخرى لانتخاب رئيس الجمهورية.
|