لا أدري بماذا أصف من يتفنن في انتهاك الحُرُمات والمحارم، ولا أدري بماذا أصف من يستهين بالأخلاق والآداب، ولا أدري بماذا أصف من يتلاعب بالأعراض.
معاكسات في وسط الأسواق وداخل المستشفيات وأمام المدارس، ثم معاكسات عبر الهاتف الثابت وأجهزة النداء والنقَّال والجوال، ثم معاكسات عبر القنوات الفضائية، ثم معاكسات عبر الإنترنت.
نتج عن ذلك جرائم تتعلَّق بالشرف ومآس اجتماعية وتفكك للأسر وانهيار للقيم.
وللأسف، فلا حياء ولا خجل ولا حفاظ على الحشمة والعفة والكرامة والرجولة.
وصدق مَنْ قال: «يحدث للناس من الأقضية بقدر ما يحدثوا من الفجور».
نعم، إن المصائب عمّت والبلايا طمّت والأمراض ازدادت والأحوال ساءت والأخلاق تحلَّلت والآداب تفككت والقيم اضمحلت.
وإن سألت عن سبب ذلك كله، فإن الإجابة وبكل سهولة: البعد عن دين الإسلام وأحكامه وقواعده وقيمه، التي تعصم من كل شر وتبعد المسلم عن المعاصي وتزهِّد في الشهوات وتدعوه إلى كل خير وفلاح.
فيما سبق، كانت سلوكيات الترف والمترفين آفة اجتماعية واقتصادية، خرّبت الأمم وهدّمت العروش وهزمت الجيوش ونفخت الكروش وصيّرت الرؤساء والحكام من أصحاب القروش.
ثم كان زمنٌ سادت فيه سلوكيات التفاخر والتباهي والزهو بالمال والجاه والشرف.
ثم كان عهدٌ شاعت فيه سلوكيات التمرد والعصيان والطغيان والجحود والعناد.
ومن ثم، كان الضعف والخور والخواء والفراغ والليونة.
ومن ثم، كان الظلم والقتل والاغتصاب وانتهاك المحارم.
إنها سنن كونية تمرّ بها المجتمعات مَنْ أخذ العظة والعبرة من غيره سلم وأمن من الكوارث والأزمات، ومَنْ سار على ضلال وغواية هلك وأصابته البلايا والرزايا.
وكم من المآسي والقصص المؤلمة المحزنة سمعناها وقرأناها، عن فتى في ريعان الشباب انغمس في حمأة المخدرات والمسكرات، كانت نهايته مفجعة، وعن فتاة عبثت بالهاتف وعاكست وانجرفت وسقطت في أيدي ذئاب بشرية، كانت نهايتها مأساة، وعن رجل امتهن الغش والكذب والزور في جميع أحواله وتصرفاته، كانت نهايته مبكية.
والحكايات تتكرر يوماً بعد يوم، فهذا مسؤول ارتشى ورشا، فكانت نهايته وبالاً، وهذا تاجرٌ أكل أموال الناس بالباطل، كانت نهايته سوءاً، وهذا أبٌ فرّط في مسؤوليته وأسرته، كانت نهايته فضائح، وهذا مستهترٌ أساء في استعمال السيارة كانت نهايته ندامة، وهذه أسرة متفككة متساهلة كانت نهايتها انهياراً، وهذا مجتمع غير متماسك وغير متعاون على البر والتقوى كانت نهايته دماراً، وهذه دولة لم تحكِّم شرع الله كانت نهايتها خراباً، وهذه أمة لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر كانت نهايتها زوالاً.. إلخ.
هل سمعتم عن الإمبراطورية الرومانية والفارسية كيف كانت نهايتهما؟
هل سمعتم بامرأة لوط وامرأة نوح، كيف كانت نهايتهما؟
هل سمعتم بشباب المخدرات والتفحيط، وفتيات المعاكسات والموضات، كيف كانت نهايتهم؟
هل سمعتم بمسؤولي الرشاوي وتجار السوء كيف كانت نهايتهم؟
هل سمعتم بالمفسدين والوالغين في الأعراض الهاتكين للمحارم والحرم، كيف كانت نهايتهم؟
هل سمعتم بالظلمة المستبدين والقتلة والغاصبين كيف كانت نهايتهم؟.. إلخ.
وفي ختام مقالتي فإني أقدِّم بعض النتائج والتوصيات المهمة في الموضوع، ومنها:
(1) سنَّة قرآنية للعذاب لمن كفر النعمة، يقول عزَّ وجلَّ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)
(2) سنَّة قرآنية للمساءلة في اليوم الآخر، يقول سبحانه: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
} «الإسراء/ 36».
(3) سنَّة قرآنية لعاقبة الترف والمترفين، يقول جلَّ ذكره: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) } «الإسراء/ 16».
(5) قاعدة نبوية في النعم، يقول صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ».
(6) قاعدة نبوية في السؤال يوم القيامة، يقول عليه الصلاة والسلام: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وكيف أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به».
(7) حكمة ومثل عربي مشهور: دقّة بدقة وإن زدت زاد السقا.
(8) المعصية آفة تجلب العار على المجتمع، يقول أحد الشعراء:
مَنْ يزني يُزنى به ولو بجداره
إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
(9) الذنوب آفة تزيل النعم، يقول أحد الشعراء:
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن الذنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة رب عظيم
فإن الإله سريع النقم
(10) مثل دارج معروف قديماً وحديثاً يقول: «بشِّر القاتل بالقتل ولو بعد حين».
وكلمتي الأخيرة أقول إنه لا بد من أن نغيِّر ما بأنفسنا من معاصٍ وذنوب وشرور وآثام، لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } «الرعد/11».
|