* القاهرة مكتب الجزيرة عتمان أنور علي البلهاسي :
فيما تواصل عمليات المقاومة في العراق تصاعدها وتطورها النوعي كانت الإدارة الأمريكية تصر في دأب على تحميل هذه العمليات لموالين لصدام حسين وحزب البعث غير ان هذا الموقف تراجع وتغير تماما على نحو دراما تيكي في الايام الاخيرة وخاصة بعد الهجوم المنظم الذي استهدف ثلاثة مقرات للشرطة وقيادة اللجنة الدولية للصليب الاحمر خلال 45 دقيقة كذلك محاولة الهجوم على نائب وزير الدفاع الأمريكي فضلا عن اعتقال شخص زعموا انه سوري الجنسية حاول تفجير مقر آخر للشرطة خلال ساعة لاحقة على الهجمات السابقة.
المستجدات التي طرأت على اساليب وادوات المقاومة العراقية والتي جعلت الإدارة الأمريكية والجيش الأمريكي يستشعرون جميعا الخطر يطرح تساؤلا هاما هل المقاومة العراقية صناعة محلية أم مستوردة؟ بمعنى آخر هل مازالت المقاومة العراقية تعتمد على الداخل كما كانت في البداية أم انضمت اليها عناصر خارجية أخرى؟
حول هذا التساؤل التقت «الجزيرة» نخبة من المحللين العسكريين والمفكرين الاستراتيجيين.
بين الداخل والخارج
يقول اللواء الدكتور صلاح الدين سليم المحلل العسكري والخبير الاسترايتجي إن العمليات التي نفذتها المقاومة العراقية في الفترة الاخيرة اربكت التفكير الأمريكي وأثارت حولها العديد من التساؤلات بالفعل حول ما إذا كانت هذه العمليات يقوم بها عراقيون أم تقف وراءها جهات أخرى؟ ولعل ما أربك التفكير الأمريكي هو ان العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة ظاهرة غريبة عن بيئة المقاومة العراقية وعلى المجتمع العراقي وهو ما دفع بالكثير من الخبراء إلى القول بوجود جهات أخرى تقف وراء هذه الهجمات.
وأشار إلى ان الاتهامات تركزت حول تنظيم القاعدة ومن وصفهم البعض بانهم طالبان العراق والمقصود بهم جماعة انصار الاسلام وأخيرا ما يطلق عليه المقاتلون الأجانب بينما توقع البعض ان تشكل الهجمات الاخيرة بداية حرب عصابات تقليدية ضد قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية في حين وصفهم البعض الآخر بأنهم أخطر من ذلك وانهم جماعات منظمة ولها اهدافها الخاصة، ولكن الواضح ان الامريكيين رغم كل هذه الاتهامات يجدون صعوبة في تحديد هوية من يقفون وراء هذه الهجمات وما إذا كانت جهة واحدة أم عدة جهات، لكن المؤكد لديهم انهم ليسوا فقط من فلول النظام السابق أو الموالين له.
وأكد سليم انه بالرغم من ان كل الاتهامات تصب ضد حركة انصار السلام الكردية وتنظيم القاعدة والمقاتلين الأجانب إلا ان هناك عدة مؤشرات ربما تنفي الاتهامات وربما تؤدي في النهاية إلى ان المقاومة العراقية تطورت لتشمل كل هذه الجهات إلى جانب المقاومة العراقية العادية من جميع فئات الشعب وهو ما يعني ان أمريكا اصبحت تواجه جميع أنواع المقاومة في العراق المنظم وغير المنظم ومن جهات داخلية وجهات خارجية ولذلك فالاحتمالات على المدى القريب لا تبشر بالخير وستشهد المزيد من الهجمات الكثيرة والمزيد من السيارات المفخخة والقذائف الصاروخية وهناك مخاوف امريكية بالفعل من ان تتصاعد هذه العمليات لتصبح انتفاضة ضد الاحتلال وهو ما يهدد جهود أمريكا لاعادة الاعمار ويهدد الوجود الأمريكي في العراق وبالتالي مستقبل بوش وادارته في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وحول الاتهامات الأمريكية للمقاتلين الأجانب بتدبير الهجمات أكد سليم ان عدد المقاتلين الأجانب داخل العراق لا يزال صغيرا كما ان هناك صعوبة في اقامة علاقات بينهم في ظل تضييق الامريكيين الخناق عليهم كما انهم لا يملكون التنظيم الكافي لتدبير مثل هذه الهجمات.. وعاد سليم للتأكيد على وجود مقاومة متنوعة داخل العراق قائلا ان العمليات التي نفذت ضد قوات الاحتلال منذ سقوط بغداد تشير إلى ذلك والقول بان العمليات الانتحارية غريبة عن المجتمع العراقي غير دقيق فقد بدأت هذه العمليات تعرف طريقها منذ بداية الحرب وسبق وان نفذت نساء مثل هذه العمليات أثناء الحرب.
وأشار سليم إلى ان القول بوجود جهات منظمة وراء العمليات الاخيرة لا ينفي ابدا وجود مقاومة عراقية شعبية في الداخل وهؤلاء بدأت عملياتهم مع بدء الحرب وهي مستمرة إلى الآن وان كانت لا ترقى إلى مستوى تخطيط وتنفيذ ونتائج العمليات الاخيرة ويمكن القول ان هناك جماعات منظمة بدأت تجد في البيئة العراقية بيئة ملائمة لتنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال وربما بدأت المقاومة العراقية نفسها تنظم صفوفها وتضاعف من تاثير عملياتها ضد الاحتلال.
ويرى الدكتور أحمد يوسف عميد معهد البحوث والدراسات العربية أننا يجب ألا ننسى ان القوات النظامية العراقية وقوات الحرس الجمهوري قد تلاشت دون ان يلحق بمعظمها أذى قبل سقوط بغداد ولم يتم المساس ببعض فيالقها في الشمال وقد بقيت هذه القوات داخل ملاجئها الآمنة في المثلث السني الذي لم يخف حربا حقيقة ويمكن القول ان هذه القوات تمثل نسبه كبيرة من المقاومة وخاصة في ظل استبعادهم بصورة مهينة سواء من وظائفهم أو حرمانهم من مرتباتهم دون ايجاد بدائل حقيقية وقد تحولوا في البداية إلى عمل المظاهرات والاحتجاجات وسرعان ما تحولوا إلى تنظيمات ومجموعات تستخدم السلاح. المقاومة التي تشهدها الاراضي العراقية حاليا اصبحت متطورة ودخلت فيها عناصر نوعية ولا نستبعد دخول اعضاء من القاعدة وهذا ما يكشف عنه طرق تنفيذ الهجمات واستخدام ادوات واساليب لا تتاح بسهولة لدى المواطن العادي يضاف إلى ذلك وجود عناصر الجيش داخل صفوف المقاومة انعكاسا لحالة الفوضى وسوء الإدارة الأمريكية والتي لم تكن مؤهلة للتعامل مع هذه الاحداث فالمقاومة افسدت كل المبررات وتوالي المقاومة يعكس مدى التطور الذي لحق بأداء جماعات المقاومة العراقية.ويرى الدكتور مصطفى علوي انه لا يمكن اختزال المقاومة في عنصر واحد فالمقاومة العراقية حاليا تأخذ اشكالا متنوعة العناصر ويرفض علوي ربط المقاومة العراقية بتنظيم القاعدة.. ويقول ليس هناك رابط ولكن قد يكون هناك افراد.. ويقول ان اسلامية المقاومة واحدة من ضمانات كثيرة لكي تستمر المقاومة في الداخل حيث تتسم المقاومة بواقعية وعقلانية كبيرة وهذا يتضح من عملياتها ويمكن القول ان الشارع العربي والإسلامي يبدو في شوق عارم لانتصار على الولايات المتحدة، ولا شك أنه يجد فيما يجري في العراق فرصة سانحة لتحقيق ذلك الانتصار، ويتوقع تبعا لذلك أن تبدي الجماهير قابلية عالية للتواصل مع تلك المقاومة ومداها بكل أشكال الدعم المالي والتسليحي والبشري.
صحيح أن ذلك سيكون صعبا بوجود السدود المعروفة، سواء كان ذلك بسبب عدم القناعة، أم بسبب الخوف من سوط الولايات المتحدة، غير أن ذلك لن يحول بين المعنيين وابتكار طرق عديدة للدعم، ولا شك أن الأنظمة التي تدرك أن ورطة واشنطن في العراق هي الضمانة لسلامتها ستكون سعيدة بما يجري إن لم تجد لها وسيلة ما للمساهمة.
لهذه المعطيات جميعا، فنحن لا نؤكد أن المقاومة العراقية هي إسلامية الطابع في معظمها فقط، بل نؤكد أيضا أن ذلك هو أحد أهم ضمانات قوتها وفاعليتها ونجاحها في دحر الامريكان أيضا، وهي في العموم لا تقدم خطابا على نمط القاعدة، بل عاقلا ومتزنا على نمط حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله كما تأكد من خلال جملة من بياناتها.
حقيقة اتهام القاعدة
ويقول ضياء رشوان خبير شؤون الحركات الإسلامية بمركز القاهرة للدراسات السياسية والاستراتيجية انه لابد من وضع التفجيرات الاخيرة في العراق وتفجير مبنى الامم المتحدة والسفارة الاردينة وبعض اعمال تفجير انابيب النفط والغاز والمياه في سياقها الصحيح قبل التحدث عن طبيعة الجهات التي تقف خلفها سواء كانت مقاومة من الداخل أم عناصر خارجية.. واضاف ان قراءة ما يقرب من سبعة أشهر من الاحتلال تقول انها شهدت اكثر من ثلاثة آلاف عملية جرى تنفيذها ضد قوات الاحتلال وحين يتخلل هذه السلسلة بضع عمليات مرفوضة فان ذلك امر طبيعي في مقاومة هي في مرحلة البداية ولابد لها من اخطاء وحول وجود القاعدة والمقاتلين الأجانب في العراق.أكد رشوان ان هناك رأيين في هذا الاتجاه الاول يرى ان ثمة مبالغة كبيرة في هذا الشأن وأنها محاولة للتغطية على الفشل الأمريكي في مواجهة المقاومة التي هي عراقية اصيلة بالفعل وان كان يدعمها عناصر من الخارج أو ما يقال عنهم المقاتلين الأجانب فهناك وجود لشباب عرب يقاتلون في صفوف المقاومة لكن معظم هؤلاء وهم قلة لا يتجاوزن 100 شخص حسب تقديرات عراقية ليسوا من جماعة اسامة ابن لادن أو تنظيم القاعدة وانما هم حركة من المتطوعين مثل اولئك الذين جاؤوا للعراق اثناء الحرب.كذلك فان حركة المقاومة الإسلامية العراقية حسب بعض المعلومات ليست متحمسة بل وربما رافضة لدخول القاعدة إلى العراق لعدم الحاجة إليهم في هذه المرحلة وللخوف من خلط الاوراق ووصم المقاومة العراقية بالارهاب.
وأشار رشوان إلى ان التحول النوعي في طبيعة العمليات الموجهة ضد القوات الأمريكية هو الذي أثار التساؤلات حول امكانية تسلل عناصر مدربة جيدا من تنظيم القاعدة إلى العراق سواء قبل الحرب أو خلالها أو بعدها خاصة وان العراق يشترك في حدود مع الكثير من الدول ولذلك فالبعض يرى ان قضية دخول القاعدة إلى العراق ليست مستبعدة خاصة وان لها امتدادا محليا يتمثل في جماعة انصار الاسلام التي استهدفتها القوات الأمريكية في الايام الاولى للحرب إلى جانب ان التنظيم يعتمد دائما على خلايا نائمة مرتبطة به لمواصلة المعركة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.. واضاف انه إذا كانت القاعدة قد اصبحت بعد 11 سبتمبر مطاردة ومستهدفة في كل مكان فان العراق بعد سقوط نظام صدام حسين أصبح بيئة ملائمة لتواجدها في ظل حالة الانفلات الأمني وتنازعات التيارات الداخلية وإذا قلنا ان تنظيم القاعدة يوجد غالبا حيث يوجد الامريكيون والمصالح الأمريكية وحيث توجد الفوضى واللا دولة فان العراق بوضعيته الراهنة أصبح بيئة مناسبة لمعاودة نشاط هذا التنظيم خاصة مع وجود اهداف امريكية كثيرة ممثلة في القوات العسكرية والمنشآت وغيرها.
|