Tuesday 25th november,200311380العددالثلاثاء 1 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رغم ذمه كل المدن العربية في قصائده.. لم ينتقده أحد رغم ذمه كل المدن العربية في قصائده.. لم ينتقده أحد
أدونيس يدافع عن بيروت بعد هجوم نخبة من المثقفين اللبنانيين

* عمان - الجزيرة - خاص:
لقد استطاع الشاعر ادونيس ان يمحو الاحتفاء بثقافة العداوات في مقالته الباطنية «بيروت اليوم أهي مدينة حقا أم أنها مجرد اسم تاريخي» كما و استطاع ان يؤكد لطائفة الكتَّاب الذين كتبوا ردودا على مقالته التي تناول فيها الهندسة المعمارية في العاصمة اللبنانية والتركيبة الاجتماعية للمدينة وعلاقة ناسها ببعضهم وبالثقافة، واغتراباتهم المتعددة ونوازعهم الطائفية، على ابتكاره الجديد في طرح اسئلته الاستنكارية حول صفة المدينة وما اذا كانت بيروت التي غاب عنها اكثر من ثلاثين عاماً تستحقها، وعل ابرز الاسئلة المبتكرة التي يمكن ان تطرح في ذات السياق حول المحاضرة لما لم ينتقد أحد ادونيس حين ذم كل المدن العربية في شعره وتحديدا في مشروعه الشعري «الديوان»:
مدن لم تعد
غير اسم واثم
ولها الأبجدية مرصوفة
بالمقابر
محفوفة بالسيوف
أنت بهلول هذي الصحارى ، وشحاذ تلك
الحروف
ضع أغانيك في قصعة
وجبينك في حفرة
لعبودية هذا المكان وهذا المقام
ولها هذه الخيول لها هذا المقام
ولما لم ينتقده احد عندما ذم العمارة في «عمان» من خلال الحوار الذي كنت قد اجريته معه الصيف الماضي اذ وصفها بالمعمل الحجري ، ووصف عمرانها بانه شاذ عن جسد المدينة ، كما ذم ادونيس بغداد في مقالة له نشرت ايار الفائت حيث قال عنها : هل رأيتَ شعباً يحتاج الى الظلم لكي يشعر أنه موجود؟ انه شعب العراق؟وعقد مقارنة : - ما الفرق بين بغداد 1258، وبغداد 1969؟ الأولى فتكَ بها التّتار، والثانية يفتك بها ابناؤها، وعبر عن شك "رهيب" بقوله : «أكاد أشكّ ان ابا نواسٍ، وأبا تمّامٍ، والنّفري عاشوا في بغداد»، ورغم كل ما كتب لم يهاجم أي كاتب ادونيس ، وهنا يبرز السؤال ، هل كانت الكتابات الجمة حول محاضرته هل بمثابة الدفاع عن بيروت أم للهجوم على ادونيس أم انها تدخل ضمن باب ثقافة العداوات المستشريه في الثقافة العربية..
«أدونيس يلفظ احكام الاعدام ويمحو ثقافة بيروت وشعبها»، «أدونيس يستبيح بيروت»، هذه بعض من عناوين لأدباء ومثقفين وشعراء ردوا على محاضرة ألقاها ادونيس ونعت فيها بيروت بأوصاف كثيرة ليس أقلها أن الثقافة السائدة فيها هي نوع من الاستنزاف لكثرة ما تنطوي عليه من الرياء والزخرفة والتبجح وهذا ما استنفر المثقفين اللبنانيين ضده وفي مجمل دفاعه عن حبه لبيروت في مقالة له نشرت مؤخراً قال:
قرأت، بحرصٍ شديد، ما كتب حول: بيروت اليوم، أهي مدينة حقّاً أم أنها مجرّد اسْم تاريخيّ؟ حَفِلَتْ بعض المقالات بأشياء كثيرة غير لائقة، وهي إهانة للحقيقة وللّغة، ولبيروت نفسها. لذلك أهملها ترفّعاً وعلوّاً. وحفل بعضها الآخر بأفكار وآراء أفدت منها كثيراً، غير أنني لا أقدر أن أناقش كتّابها، واحداً واحداً، في هذه المقالة، لا لضيق المجال وحده، وإنما لضيق الوقت كذلك.
وشكرهم جميعاً بأسمائهم، وفقاً لتسلسلها الأبجدي: عباس بيضون، شوقي بزيع، محمود حداد، الياس خوري، أنطوان الدويهي، جهاد الزين، طلال سلمان، وضاح شرارة، محمد علي شمس الدين، سمير عطا الله، حسام عيتاني، عيسى مخلوف، عبده وازن.
ووعد بقوله : سوف أعود في مقالاتٍ لاحقة إلى مناقشة بعض القضايا المهمة التي أثاروها. موضحا ان المحاضرة لم تكن هذه عن واق الواق، أوعن مدينةٍ لا عمرَ لها، أنشأها المقاولون والتّجار. لا قضية لها غير مجرّد السكن. لا أفق غير مجرّد الاتّجار. كانت المحاضرة حول مدينةٍ عريقة. مدينةٍ أعشقها. وبقوّة هذا العشق وسيطرته، لا أقدر أن أراها إلاّ جميلةً وكاملة. لا أقدر أن أتحمّل ما يُضفي عليها البشاعة، أوما يحيل جسدها إلى مجموعةٍ من الركام. مدينةٍ لم يكتب عنها أحدٌ من أبنائها، كمثل ما كتبت عنها، شَغْفاً، وتولّهاً، واستشرافاً. فبيروت كمثل موسيقى خافته حيناً، جهيرة حيناً، تتغلغل في جميع ما كتبته، نثراً وشعراً، منذ ولدتُ فيها، كما كرّرتُ مراراً، ولادتي الثانية - شعريّاً وثقافيّاً. وباسم هذا العشق أرفض، قطعيّاً، أن يعلّمني أحدٌ، أيّاً كان، حُبَّ بيروت. إنّها وجهيَ - كلّما نهضت، صباحاً، ونظرت في المرآة، أسألها عِبْرَ وجهي: كيف أنتِ، كيف أصبحت، وماذا ستفعلين، اليوم؟ وباسم هذا العشق أرفض، قطعيّاً، أن يذكّرني بها أحدٌ أيّاً كان.
وشرح : أعرف أن في بيروت شعراء وفنّانين وكتّاباً ومفكّرين - نساءً ورجالاً، بارزين مبدعين. أعرف أنّ فيها مهندسين ومحامين وقضاةً كباراً. أعرف أن فيها سياسيين بارعين. أعرف أنّ فيها صحافيين ورجالَ إعلام تزدهي بهم حياتنا اليوميّة. أعرف أن فيها رجالَ دينٍ يتمنّى الفضاء أن يكون شريكاً دائماً لهم في توجّههم إلى الله. أعرف كذلك أنّ في بيروت نساءً هُنّ بين أعمق نساء العالم، وأكثرهنّ بهاء.
منوها انه بهذه المعرفة نفسها ساءلت بيروت - ساهراً عليها، مستيقظاً فيها،
معرّياً إيّاها لكي أحسن رؤيتها، كما هِيَ، خارج التوهّم اللبناني، وخارجَ اللّبْنَنَةِ البلاغيّة. لكي أرى كيف ولماذا سكتت على قتل أبنائها:
أنطون سعادة، رياض الصلح، كمال جنبلاط، موسى الصّدر، بشير الجميّل، رنيه معوّض، رشيد كرامي، صبحي الصّالح، إدوار صعب، يوحنّا مارون، حسن خالد، كمال الحاج، حسين مروّه، حسن حمدان، ابراهيم مرزوق، توفيق يوسف عوّاد، سامية توتونجي، وعدد آخر كبير، يعرفهم الجميع، ويشكّلون جزءاً ضخماً من تراث لبنان، قتلوا بالرصاص، وقتل غيرهم بالهجرة، أوبالإهمال.
واضاف وبهذه المعرفة ساءلت ثقافة بيروت لكي أتفهّم كيف ولماذا هي كذلك تقتل يوميّاً مبدعيها - جبران خليل جبران، جورج شحادة، يوسف الخال، فؤاد غابريال نفّاع، سعيد تقي الدين، ناديا تويني، ميشال شيحا، عبدالله العلايلي. تقتلهم بإهمال إبداعاتهم وأحلامهم: لا تحتضنها، لا تحتفي بها، كما يجدر بمدينة عظيمة. وكيف ولماذا انطفأت الشُّعَل الثقافية الخلاّقة التي مثّلتها مجلّة المكشوف ومجلة شعر، ومجلّة مواقف ومجلّة آفاق ومجلّة الآداب وغيرها. وكيف ولماذا تواصل قتل المسرح ومؤسساته وقتل الموسيقى والفنّ إلى جانب الجامعة الوطنية والمدرسة الرسمية والعلم، في عزوف كلّي عن توفير المناخ الضروري للبحث والإبداع في مختلف الميادين، الإبداع الذي لا معنى لبيروت إلاّ بدءاً به، ومنه، وفيه، لأنه هويتها وأفقها. وكيف ولماذا تناهبَتْ ثرواتِ أهلها، في حربها الأهلية، في المصارف والأسواق - وتوحّدت فيها، في هذا كلّه، الثورة والرّجعة في ثوب واحد. ثمّ كيف لم يُنظّم بعد نهاية تلك الحرب الطويلة المعقّدة أي مؤتمر وطنيّ لبحث أسباب قيامها وظروفها ونتائجها، ولاستخلاص العبر والدروس ورؤية المستقبل؟
وأكد وبهذه المعرفة كنت أسأل نفسي دائماً: كيف يمكن لمن يحب بيروت الكريمة، أَلاَ يزلزل ما يشوهها؟
وتساءل مع ذلك، يبدوأنني أشعلت حرباً أهليّة ثقافيّة. سوء نيّة؟ سوء تفاهم؟ أم ماذا؟واستنتج أنّ حرية الرأي والنقد ليست مهدّدة من قبل السلطة بقدر ما هي مهددة من المواقع التي يُفترض فيها الكفاح من أجل حرية الاختلاف وحرية النقد.
وأكد: بيروت هويّة - نَصٌّ لم يقرأ حتى الآن إلاّ قراءة مذهبيّةً - فما يضيرها إن قلت: حان الوقت لكي تُقرأ ثقافيّاً. لكي تُقْرَأ لا بوصفها جوهرةً، بل بوصفها كوكباً من البشر والحجر والتراب يدور في فلك التّاريخ، وفلك العالم الرّاهن؟
وتساءل : ما الحقيقة في لبنان؟ أهومجتمعٌ حَقّاً، أم هومجتمعات - طوائف؟
ولا تُعطى الثقافة. تُخلق الثقافة، أولا تكون إلاّ جُثّة - وإن عُطّرت.
كلّ شيءٍ في الثقافة اللبنانيّة للمساءلة وإعادة النّظر من الألف إلى الياء، أفقيّاً وعموديّاً.
كلّ ثقافةٍ مُعطاةٍ ليست إلاّ سلطةً يقمع بها الآباء الأبناء. وليست إلاّ تَسويغاً لامتيازات الآباء وأهل السلطة. ولا يجدي الهامش في تغييرها، وإن رَجَّها.
وشدد بقوله هكذا سأظلّ أرى إلى بيروت بعينٍ لا ترضى إلاّ برؤية كلّ شيء، لا الظّاهرَ وحده، بل الخفيّ الممكن كذلك. وسوف أظلّ مصغياً إليها بأذنٍ لا تَرضى إلاّ بأن تَسمع حتّى السّرائر. محاولاً أن ألمسَ ما لا يُلمَس، وأن أقولَ ما لا يقال، وأن أهبطَ في الثقوب السّوداء التي تنخر جسدَ الكرة اللبنانية، وجسد الثقافة اللبنانية (والعربيّة). وسوف أظلّ دائبَ العمل على زلزلة القطيعيّة والتبعيّة، وعلى كَنْس الرّكام.
وتساءل ألهذا، كانت محاضرتي بَلْبَلَةً؟ ألهذا كانت طوفاناً اختلط فيه القَشّ بالورد، والجَذْرُ بالحَصى؟مع ذلك، تركت كثيراً من التّلالِ نائمةً في ضبابها وتركتُ مستنقعاتٍ كثيرة تحت غطائِها الكثيف من اللُّهاث البشريّ - لهاث الذين لا صوتَ لهم، ولا عمل، وينامون حالمين، لكن بِخُبْزِ غدهم. لم أقل إلاّ النّاتئ الذي يضرب البصرَ والبصيرة.
وان كان ادونيس قد ألقى محاضرته أمام المئات ممن تحلقوا حوله في مسرح المدينة في بيروت ووصفها بأنها مكان تجارة لا حضارة وملتقى السياسات لكن بلا سياسة فها هو في مقالته الجديدة يدافع عن حبه لها وينقح نفسه.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved