إن رجوع الشيخين علي الخضير وناصر الفهد عن فتاواهما التي كادت تحرق الأخضر واليابس في بلاد اختارها الله جلَّ وعلا لتكون مثابة للناس وأمناً - هو رجوع إلى الحق.. بعدما تبيَّن لهما خطل وخطأ تلك الفتاوى التكفيرية العشوائية التي كادت تحول مجتمع هذه البلاد إلى قاتل ومقتول.. بسبب سوء فهم النصوص وطغيان الشبهات على حقائق العلم الديني.. الذي له أهله وعلماؤه الراسخون.
إن الفتاوى التي أطلقها هذان الشيخان بتكفير المجتمع بعلمائه وقادته ومثقفيه.. لأسباب واهية لا تدعمها قوة حق.. ولا تناصرها نصوص من كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.. لهي فتنة.. القاعد فيها خيرٌ من الواقف.. والواقف خيرٌ من الماشي..
هذان الشيخان أدركا ولو بعد حين من الجرائم والآثام التي اقترفها شباب رعناء متحمسون ومتأثرون بأفكار قادتهم الفكريين - أن فتاواهم كانت ضلالاً واجتهاداً غير موفق ولا صائب.. ولذلك رجعا إلى الحق، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
ولا شك أن هذين الشيخين يمثلان رأس الحربة لجمعية التكفير والخروج على الإمام والمجتمع في المملكة كما كانت في مصر والجزائر.. فهل ستكون النتيجة متماثلة..؟!
ولئن كان الشيخ الخضير قد أعطى في اعترافاته لمحات خاطفة، وإن كانت كافية في تحقيق شروط التوبة الثلاثة.. الإقلاع عن الذنب، والندم على ارتكابه، والعزيمة على عدم العودة إليه - فإن الشيخ ناصر الفهد قد كان أعمق وأغنى دلالة على شرح ومنهجة صدق تخلِّيه عمَّا كان عليه قبل صحوته، من غفلة الشُّبَهِ التي غَلَّفت فكره التكفيري.. بدليل قدرته وقوة استحضاره للأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة.. ومن تاريخ صدر هذه الأمة على انحراف تلك الفتاوى التي لم يتبيَّن له خطؤها (إلا ضحى الغد)..!
لقد بهر مستمعي ومشاهدي الحوار الذي أجراه معه الشيخ الدكتور/ عايض القرني.. بعمق ثقافته الإسلامية.. وشجاعته النادرة في الاعتراف بفداحة ما أحدثته فتاواه هو والآخرون الذين كانوا على شاكلته.. قبل توبته وأوبته إلى الله والبراءة مما ارتكبه بعض المتأثرين به.. من تفجيرات قتلت المسلمين والذمِّيين والمعاهدين وجميعهم معصومو الدم والمال.
***
لقد سعد أهل هذه البلاد وسعد معهم العرب والمسلمون بتراجع هذين القطبين عن مسلكهما ومنهجهما الذي كان سبباً رئيساً في خلخلة (الأمن) والاستقرار النفسي والمادي في هذه البلاد.. والآثار السلبية الكثيرة التي ترتبت عليه قبل إعلان توبتهما والندم على ما سبَّبته فتاواهما المتشددة والمتشنجة.
***
كنت أنتظر، وأنا أتابع الحوار التلفازي، أن يسأل الشيخ الدكتور/ عايض القرني ضيفه الشيخ ناصر الفهد هذا السؤال أو نحوه: (ما دمت بهذا الاطلاع الواسع من الكتاب والسُنَّة والتاريخ في تحريم تكفير المجتمع وعلمائه وقادته، فلماذا أخذت بنصوص (المتشابه) وتركت الأخذ بنصوص (المحكم) إلا بعد أن وقع الفأس على الرأس..؟ وبين تفجيري الرياض مسافة نصف السنة.. وبإمكانهما الاتّعاظ بما حصل في حي اشبيليا لمنع ما حصل مؤخراً في مجمِّع المحيَّا..!
نحن الآن في مخاض ما بعد تراجع ومراجعة هذين القطبين لموقفيهما.. وعسى أن يكون في هذا ما يحسم قضية الغلو في الدين التي كادت توردنا موارد الهلاك دينياً ودنيوياً.. لولا أن تداركنا الله بفضله وعفوه.. ففتح قلوب وعقول وأذهان قادة الفتنة ليتراجعوا عَمَّا كانوا عليه من فهم منحرف لبعض ما يتكئون عليه من نصوص قرآنية أو حديثية، شَبَّهت لهم الحق باطلاً والباطل حقاً.
هذا مع تسليمنا بأن عندنا كمجتمع من الأخطاء الحيوية وعلينا من المغارم المجتمعية ما يجب تصحيحه؛ والالتفات إلى إصلاحه، حتى يتمَّ الانسجام بين الحاكم والمحكوم، والعالم والجاهل، والمثقف والأميِّ.. إلى آخر شرائح المجتمع.
|