Tuesday 25th november,200311380العددالثلاثاء 1 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عمدة لندن والرئيس بوش عمدة لندن والرئيس بوش
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل*

أثارت زيارة الرئيس الأمريكي بوش الابن للندن جدلاً واسعاً بين الفرقاء السياسيين في الساحة البريطانية، ولئن كان بلير يرى فيها تأكيداً على الحلف الاستراتيجي بين أمريكا وبريطانيا، فإن المعارضين لهذه الزيارة يرون أنها تسيء إلى بريطانيا وان وقتها غير مناسب، ولعل أكبر معارضة لقيتها هذه الزيارة كانت من عمدة لندن كين ليفنغستون الذي وصف بوش بأكبر خطر على وجه الأرض، فالسياسات التي ينتهجها بوش يقول كين ستقود إلى الدمار الكامل وقد تجاوز كين هذا المستوى إلى الطعن في شرعية بوش قائلاً «إنه لا يعترف ببوش رئيساً لأمريكا لأنه لم ينتخب رسمياً» مذكرا بالحكم القضائي الذي أدى إلى تولي بوش للرئاسة، غير ان الشيء اللافت في معاداة كين لبوش مرده في الأصل إلى معارضته للحرب على العراق ومن هنا يتضح للمرء مدى المعارضة التي أصبحت أمريكا تُواجه بها حتى في المعاقل التي عرفت حتى وقت قريب بأنها حليفة للسياسات الأمريكية.
إن موقف عمدة لندن من بوش ليس موقفا اعتباطيا أو مستنداً لرأي شخصي بحت بل هو ايضا يعكس رأي الغالبية من البريطانيين واللندنيين بالتحديد إذ قد أظهرت نتيجة استطلاع أجرته البلدية ان 58% من اللندنيين يعتبرون بوش أكبر خطر على السلام في العالم ولذا فإن عمدة لندن بالإضافة إلى رأيه الشخصي في بوش إنما يؤكد أيضاً اتجاه الرأي العام في مدينته، هذا الرأي الذي ينسجم مع الرأي العام الأوروبي في الاستطلاع الأخير حول من يهدد السلم العالمي أكثر؟ ونظمته المفوضية الأوروبية وأعطى نسبة اجمالية تقدر بـ60% تعتبر إسرائيل ومن بعدها الولايات المتحدة محوراً يشكل أكبر تهديد للسلام في العالم وقد سبق لنا ان كتبنا مقالا بهذا الخصوص غير ان المهم في نظرنا في الاستطلاع الأخير لسكان لندن عن بوش هو ان نبين زيف المثل الديمقراطية الغربية التي تتخفى خلف شعارات براقة من المثل وتعكس ذلك تصرفات لا ديمقراطية، وإلا فكيف يكون من الديمقراطية مجيء بوش إلى بريطانيا في زيارة دولة في هذا الحجم والزخم في الوقت الذي يرفض الغالبية من البريطانيين ذلك؟ بل ويعامل بهذا الزخم في الترحاب الرسمي، إن هذا لا يعدو ان يكون اعتداء على الذوق العام وأمراً غير ديمقراطي.
فلنتصور ان نتائج الاستطلاع كانت في حق حاكم عربي أو مسلم فهل ستلغى الزيارة أم لا؟
إن الجواب بالطبع نعم، وسيكون بلير هو أول من يدعو ذلك الحاكم إلى الغاء زيارته لكن بما ان الأمر يتعلق ببوش فليس لبلير رغم ذلك إلا ان يرحب بضيفه الثقيل هذا ومن هنا يتضح للمرء مدى ازدواجية المعايير في الغرب وكيف تمطط المثل حتى تأتي حسب كل رغبة وعلى كل المقاييس، غير اننا نحن العرب ينبغي علينا ألا نترك أشياء من هذا القبيل تمر دون اظهارها واستغلال ما توفره من دعم لرؤيتنا.
أليس حري بنا ان نستغل نتيجة الاستطلاع الذي أجراه الاتحاد الأوروبي وكذلك الاستطلاع الذي أجرته بلدية لندن من أجل إثارة الرأي العام الأوروبي وتعريفه اكثر بعدالة قضايانا، ألا يكفينا خجلا ان الآخرين من حلفاء الصهيونية يعبرون عن آرائهم بكل حرية حولها ونحن لا نستطيع حتى ان نردد صدى ما يقوله هؤلاء.
فللمرء ان يتخيل مثلا ان بوش يزور إحدى دولنا في هذه الأيام! ألن يكون موضع ترحيب وتبجيل، فهل سيسمح للمواطن العادي ان يعبر عن امتعاضه من ذلك فما بالك بمسؤول وهنا نقول انه قد آن الأوان لنا كعرب ان نشب عن الطوق وان نسمي الأشياء بمسمياتها وان نفرق بين العدو والصديق وان نعرف كيف نستغل المواقف السياسية والإعلامية الداعمة لقضايانا العادلة وان نكف عن ترك مهمة ذلك للآخرين.
إن العجرفة والاستهتار والطغيان الذي تمثله الصهيونية العالمية وحلفاؤها قد طفح الكيل وسقطت الشعارات المسوغة له من «معاداة السامية ومكافحة الإرهاب» وذلك بفعل الإعلام العربي الحر الذي استطاع فضح ممارسات الصهيونية وحلفائها، كما استطاع اعطاء صورة للعالم الغربي مغايرة للصورة التي تعود عليها، فإلى متى تظل مواقفنا السياسية متأخرة عن أداء إعلامنا؟ وإلى متى يظل غيرنا أشجع منا على التعبير عن قضايانا؟.. إن الإعلام العربي الحر اليوم قد أصبح حصان العرب الرابح والمراهنة عليه لإبلاغ صوتنا إلى العالم لم تعد مسألة خاسرة وما بقي إلا ان نعرف كيف نستغل هذا الإعلام أحسن استغلال وان نوجهه في الاتجاه الذي يخدم قضايانا مع ضرورة تنويعه من حيث اللغات المستعملة فيه فكم اصبح من المسلم ان نوجه قنوات فضائية ناطقة بأهم اللغات الأجنبية وأكثرها انتشارا كاللغة الإنجليزية والإسبانية والفرنسية وعندها فقط ستصبح وجهة النظر العربية أكثر انتشارا وأبلغ وقعا لدى الإنسان الغربي فأحكامنا المسبقة على الغربيين ينبغي ان تنتهي فلا أحد يعادي أمراً إلا لجهله به والغربيون ظلوا لعقود كثيرة يجهلون الحقائق في المنطقة العربية لأن اعتمادهم في تلقي المعلومة كان على الإعلام الصهيوني واليوم أدركنا تأثير الإعلام عليهم إذا ما أحسن استغلاله وانه علينا ان نؤسس لإعلام متطور إعلام مهني يستطيع ان يقلب النظرة الغربية لصالحنا إلى الأبد، فالتغير الذي عرفته القضايا العربية لدى الرأي العام الغربي رغم أهميتها ليست سوى نتائج أولية لإعلام عربي حر مازال في بداياته، لكنها مع ذلك إحدى النتائج الايجابية لهذا الإعلام.

* نائب المدير العام للمنظمة العربية للثقافة والعلوم « اليونسكو»/تونس

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved