نظراً لأهمية المقدمة التي صدر بها الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي كتاب «الأدب الحديث في نجد» للاستاذ محمد بن سعد بن حسين المدرس بمعهد الرياض العلمي ننشرها فيما يلي للتعريف بالكتاب والقاء الضوء على منهجه واسلوبه، وإلى التعريف بمؤلفه الذي عرفه الدكتور خفاجي عن كثب:
قرأت كتاب «الأدب الحديث في نجد» في نسخته الخطية المعدة للطبع وهو بقلم الأديب الجليل الاستاذ محمد بن سعد بن حسين.
ولقد أكبرت جهد المؤلف وما بذله فيه من دأب ومثابرة، وحرص على أن يفي تاريخ بلاده الأدبي حقه من البحث والدراسة. والكتاب في كثير من موضوعاته جديدة وبحوثه في أغلبها غير مطروقة وهو يضيف إلى تاريخنا الأدبي الحديث اضافات غنية. يوضح صورة الأدب العربي في بيئة من أكبر وأقدم بيئاته وهي بيئة نجد العربية الخالصة. قد يلتقي في بعض الاحايين مع كتاب جليل آخر سبقه بالصدور وهو كتاب «شعراء نجد المعاصرون» للأديب الكبير عبدالله بن ادريس ولكنه التقاء الفكر بالفكر، والرأي بالرأي، وهذا الالتقاء من شأنه أن يثري الأدب وأن يوضح الصورة وأن يرسم الأبعاد وأن يجلو ما غمض أو خفي من جوانب حياتنا الأدبية.
(2)
تناول المؤلف الجليل ابن سعد في كتابه دراسة الشعر والشعراء في نجد من منتصف القرن الثاني عشر إلى اليوم في محاضرتين ضخمتين: أولهما عن الشعر والشعراء في نجد.. من منتصف القرن الثاني عشر الهجري إلى منتصف هذا «القرن الرابع عشر، وثانيتهما عن الشعر في نجد بعد منتصف القرن الرابع عشر، وتتسم هذه الدراسة بالدقة والشمول والعمق، وقد تحدث في مقدمتها عن الامام محمد بن عبدالوهاب وأثره الضخم في تاريخ نجد الحديث وعن أحفاده الذين بنوا دولة حضارية كبيرة صارت موضع أمل المسلمين وتقديرهم..
وتحدث عن ظهور الشعر في نجد في العصر الحديث وعن بعض أعلامه ومن بينهم: عبدالعزيز بن طوق. والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن الأزهري وسليمان بن سحمان وافاض في الحديث عن أغراض الشعر، وعن شاعرين من أشهر الشعراء في نجد وهما ابن عثيمين وابن بليهد.
وعندما يدرس الشعر بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري يذكر أهم المدارس الشعرية الحديثة:
مدرسة خليل مطران مدرسة الديوان مدرسة المهجر وان كنت أحب أن يضيف إليها مدرسة أخرى مشهورة هي مدرسة أبولو التي قامت بجهود الشاعر الكبير الدكتور المرحوم أحمد زكي أبوشادي، ويذكر المؤلف أثر هذه المدارس في الشعر الحديث في نجد ويعرض أثرها في الشعراء المعاصرين من أمثال البواردي وخالد الفرج وعبدالله بن خميس وحمد الحجي الذي أشبهه بشاعر مصري أصيل هو المرحوم عبدالحميد الديب الذي يسمى شاعر البؤس والحرمان ولا يزال ديوانه مخطوطا حتى اليوم وان كان قد ظهر عنه دراسة فيها الكثير من شعره وهي بقلم الدكتور عبدالرحمن عثمان، والدراسة التي كتبها المؤلف ابن سعد عن حمد الحجي، وشعره وشاعريته دراسة خصبة مطولة وجديدة وهي المحاضرة الثالثة من المحاضرات التي اشتمل عليها الكتاب.
وتجيء المحاضرة الرابعة عن الخطابة والكتابة في العصر الحديث في نجد. وهي تضيف اضافات جديدة في دراسة الأدب في نجد. وقد عرض فيها للخطابة وأثر الأمام محمد بن عبدالوهاب في تطورها. كما عرض للكتابة بجميع أقسامها من كتابة ديوانية، وكتابة فنية تشمل الرسالة والمقالة، والقصة.
ويذكر ان الرسائل الاخوانية قد كان للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن الملقب بالأزهري لكونه درس في الأزهر أكبر الأثر في نشأتها وتطورها وقد توفى هذا الشيخ الجليل عام 1293ه 1875 رحمه الله.
وفي آخر هذه المحاضرة يدرس حياة الأمير محمد بن سعود وأثره في تاريخ نجد الحديث وفي قيام الأمام محمد بن عبدالوهاب بدعوته الكبرى.
(3)
دراسات طويلة مرهقة فيها خصوبة وجدة وثراء وفيها أضواء كاشفة لمعالم الأدب الحديث في نجد شعره ونثره لابد للدارسين أن يستضيئوا بها لكشف الطريق ومعرفة الابعاد وايضاح الصور ومن ثم كان لابن سعد فضل وأي فضل بما قدم لقراء العربية وآدابها من زاد خصب ودراسات شيقة مفيدة، وأشهد للمؤلف بجمال الأسلوب وحسن الذوق وسعة الادراك وعمق الفهم للقضايا التي درسها في كتابه وهو منصف في كثير من أحكامه مجيد في كثير من جوانب دراسته متأن غاية التأني في ابداء الرأي حتى يقدم له الحجج ويمهد له الأسانيد.
وبعد فان تقديري للمؤلف ولثقافته العميقة وذوقه العالي وادراكه السليم للأمور يجل عن الذكر والتنويه. وقد عرفت المؤلف من قرب ومن قريب انسانا واديبا وشاعراً ومؤلفاً وعالما ضليعاً في مادته عرفته طموحا دؤوبا، وعاملا مجداً، ومثابراً صبورا على القراءة والعلم. وهو يتمتع بذكاء شديد وقريحة خصبة، ومواهب متعددة.
وأعده مفخرة من مفاخر الأدب المعاصر في نجد واحد الخريجين الممتازين من كلية اللغة العربية في الرياض وهي كلية تخدم اللغة العربية والثقافة العربية والأدب العربي بكل ما تستطيع وتربى أجيالاً من العلماء، الذين سوف يكون لهم أثر صدق في بناء النهضة وتكوين الامة وخدمة الاسلام والمسلمين.
(4)
ولماذا بعد ذلك كله الحديث عن الادب الحديث في نجد وحدها؟ والمملكة العربية السعودية وحدة سياسية كاملة. ولم يعد هناك مجال للفصل بين جزء من أجزائها وجزء آخر. وقد عاشت كما تحب أن تعيش. وكما كانت تعيش في الماضي أمة متحدة. وشعبا ملاحما، ودولة قوية متماسكة، ولو أن مؤلفاً معاصرا أراد اليوم أن يكتب كتابا في الأدب المصري في اقليم الصعيد مثلا لما استطاع من جانب ولكان مثارا للنقد الشديد من جانب آخر.
ولكن الأمر هنا مختلف تماما فالدراسات عن الأدب في نجد وبخاصة في العصر الحديث قليلة ونادرة وشبه معدومة ولا يمكن الوقوف على أدب المملكة كله الا اذا اتضحت صورة الادب في نجد، بعد أن اتضحت صورته في الحجاز وأود أن لا يطول عصر الكتابة عن الأدب في أقاليم المملكة.. نجد والحجاز، وعسير والاحساء، وأن تبرز صورة الأدب في هذه الأقاليم كلها على أنها وحدة أدبية واحدة في القريب من الزمن على أبدي الدارسين والمتخصصين من أبناء الشعب العربي السعودي العريق في المجد والتاريخ والفضل كل الفضل في كل خطوة بناءة راجع إلى حماس العلماء والأدباء السعوديين والى نشاطهم المحمود في خدمة الثقافة الإسلامية العربية، وفي خدمة الأدب العربي في مختلف عصوره وبيئاته.
وهو كذلك راجع الى مشاركة الخريجين من جامعة الرياض ومن كليتي اللغة العربية والعلوم الشرعية في هذا النشاط المثمر المحمود الموفق. وما التوفيق إلا بالله.
محمد عبدالمنعم خفاجي/ الرياض
|