نعيش هذه الأيام أجواء روحانية وفي شهر من أفضل شهور العام نصوم نهاره ونقوم ليله، وتلهج ألسنتنا بذكر الله جل وعلا وتلاوة كتابه الكريم.
وفي بلاد تنعم ولله الحمد بالأمن والاستقرار والرخاء بفضل الله تبارك وتعالى ثم بفضل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فقد عني ولاة الأمر في هذه البلاد- وفقهم الله- بتطبيق أحكام الله في حق كل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن وظهرت آثار ذلك جلية والحمد لله في ربوع هذه البلاد حيث استتب الأمن وانتشرت الفضيلة بين الناس كل ذلك بفضل الله ثم بفضل جهود ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة الذين حكموا شرع الله في عباده وأقاموا حدوده فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
إلا أن أعداء الإسلام ومن سار في ركابهم وانساق وراء أفكارهم ومخططاتهم لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال ولا يريدون للأمة أن تطمئن بأي حال من الأحوال حتى في شهر الصيام.. فأعداء الإسلام لايزالون يتربصون بالأمة الدوائر عليهم دائرة السوء ويريدون تشويه صورة الإسلام الحسنة وزعزعة الأمن الذي نتفيأ ظلاله في هذه البلاد المباركة { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [الصف: 8] .
فقد استأتُ كما استاء غيري من مواطني هذا البلد المعطاء بل علت عبارات التنديد والاستنكار والشجب على جميع المستويات والأصعدة لما حدث من تفجيرات في الأيام الماضية في مدينة الرياض وفي هذا الشهر الكريم وما سبقها من أحداث وتفجيرات في مكة المكرمة ومدينة الرياض أيضا وهو أمر يتنافي مع روح الدين الإسلامي الحنيف وتعليماته السمحة.
فإن ما حدث من أعمال إرهابية وتفجيرات آثمة وإزهاق للأنفس البريئة وإتلاف للممتلكات جرائم نكراء أدمت قلب كل مسلم غيور على دينه وأمته ووطنه.. إنها جرائم سودت صفحات التاريخ الناصعة بالسلام والمحبة والوئام، إنها جرائم بشعة انتهج المخططون لها والمنفذون لها أساليب خطرة جديدة على هذا المجتمع الآمن وعلى هذه البلاد الطاهرة- بلاد الحرمين الشريفين- واستهدفت شرائح مختلفة وفئات متعددة فيهم المسلم وفيهم الذمي والمعاهد وفيهم المواطن والمقيم وفيهم النساء والأطفال وجميعهم معصومو الدم والمال.. وهذا ينم عن حقد دفين وسم زعاف يكاد لهذا الدين وهذه البلاد الطاهرة التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين ويؤكد على أن المخططين لهذه الجرائم البشعة ومنفذيها مجرمون مخربون ومفسدون في الأرض ذلك أنهم لم يراعوا حرمة البلد الأمين وخطورة الإلحاد في الحرم وترويع الآمنين في البلد الحرام وهو أمر يحرمه الإسلام أشد التحريم قال تعالى{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ}، [آل عمران:96] ، وقال تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
ولم يراعوا حرمة هذا الشهر الكريم شهر رمضان المبارك شهر الخيرات والبركات شهر إجابة الدعوات شهر العفو عن السيئات إذ كانت تفجيرات مجمع المحيا السكني في هذا الشهر الكريم وقد دلت نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وما فيهما من تهديد ووعيدٍ تنخلع له القلوب وترتعد أمامه الفرائص وإجماع علماء الأمة المعتبرين سلفاً وخلفاً على تحريم مثل هذه الجرائم البشعة والتشديد على حرمة الدماء المعصومة وترويع الآمنين.. ومن قواعد الشريعة الإسلامية أن الدماء معصومة والأموال معصومة والحقوق والأعراض معصومة معظمة محرمة لاتستباح باجتهاد قاصدٍ ولا تسفك برأي متحمسٍ ولا تهدر بحماس مقتدرٍ أياكان.
والإسلام حينما يدعو إلى التراحم والمحبة والسلام فهو أيضاً يدعو إلى المحافظة على النفس البشرية وحرمة الدماء المعصومة{وّمّنً أّحًيّاهّا فّكّأّنَّمّا أّحًيّا النّاسّ جّمٌيعْا} [المائدة: 32] .
فحرمة الدم المسلم عند الله أعظم من حرمة بيت الله الحرام مع شدة حرمة بيت الله الحرام{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء: 93].
فأمر الدماء عظيم ولا يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً وأول ما يقضى فيه يوم القيامة بين الناس: الدماء، فمن هو الذي يدعي الإسلام وهو يقدم على سفك دم مسلم وإزهاق روحه وإتلاف بدنه وتفجير نفسه؟ من هو الذي يدعي الإسلام وهو يتوجه باسم الإسلام لينقض مبادئه وأركانه وشرائعه؟ أليس المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده؟ أليس المؤمن ذلك الذي يأمن جاره بوائقه؟ أليس المسلم بأخٍ لأخيه المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يقتله ولا يحقره بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم؟.
إذا كانت هذه صفات المسلمين في الإسلام فلننظر إلى أي مدى بعدت هذه الأيدي الآثمة والتصرفات الخاطئة عن الإسلام بمثل هذه التصرفات.
وهل في القرآن الكريم أو السنة المطهرة دليل يجيز قتل أقوام دخلوا مستأمنين غير حربيين؟ وهل من الدين أن يقتحم على المستأمنين الذين دخلوا البلاد بعهد وإذن من ولي الأمر{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8] ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة.
فالإسلام بهذا يدعو إلى إعطاء الذميين والمعاهدين حقوقهم حفاظاً على الدم البشري والنفس البشرية ويوجب ذلك ليحفظ أمن الناس ويرفع الخوف عنهم لتستقر حياتهم ويتفرغوا لمعاشهم المؤدي إلى عبادة ربهم وليقطع دابر الفساد والمفسدين.
ولكن هذه الطغمة الفاسدة ومن وراءها من جبناء الأمة وأعدائها لا يريدون للأمة أن تعيش في أمن وأمان وعيش رغيد يريدون زعزعة أمنها وانتهاك حرماتها، وإتلاف ممتلكاتها وإزهاق الأنفس البريئة ضاربين بأحكام الشريعة وراء ظهورهم وهم مستكبرون نسوا أو تناسوا { أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32] .
وقول الله جل وعلا {وّلا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ بّعًدّ إصًلاحٌهّا} [الأعراف: 56 ] [85].
وقول الله تعالى { وّالَّذٌينّ يٍؤًذٍونّ المٍؤًمٌنٌينّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٌ بٌغّيًرٌ مّا اكًتّسّبٍوا فّقّدٌ احًتّمّلٍوا بٍهًتّانْا وّإثًمْا مٍَبٌينْا} [الأحزاب: 58]. فهؤلاء {فٌي قٍلٍوبٌهٌم مَّرّضِ فّزّادّهٍمٍ اللهٍ مّرّضْا وّلّهٍٍمً عّذّابِ أّّلٌيمِ بٌمّا كّانٍوا يّكًذٌبٍونّ [البقرة: 10] .
لقد ارتكبت هذه الشرذمة الدخيلة على مجتمعنا جرائم بشعة وتصرفات مشينة لايقرها دين ولا عقل توجب علينا أن نقف صفاً واحداً وصوتاً واحداً كل من قبله ومن موقعه ومن منبره ومن ميدانه ومن حيه الذي يسكن فيه ومن بيته الذي يقطنه وأن نعلن أننا أبرياء من مرتكبيها وأن نكون على بينة من خطط أعدائنا أعداء الإسلام والمسلمين وأن نكون على حذر مستمر ويقظة تامة لما يحاك لنا.
وعلينا أن نلتف حول قيادتنا الرشيدة وعلمائنا الربانيين ودعاتنا الشرعيين ونكون عوناً للجميع في أداء أعمالهم بما يعود على بلادنا ومجتمعنا بالخير والصلاح ومتعاونين على البر والتقوى فالمجتمع المسلم لا يقوم إلا على هذه الركائز الثلاث «الحكام والعلماء وسائر الرعية» فمتى تكاتف الجميع على الخير والصلاح سادت المحبة والمودة بينهم وصاروا صفاً واحداً أمام جحافل الهدم والتدمير والتخريب، ولا ننسى دور الآباء فإن مسؤوليتهم جسيمة تجاه أبنائهم في المحافظة عليهم ومراقبة تحركاتهم وتصرفاتهم وتبصيرهم بما يحميهم من التخبط في أوحال الدعوات المظللة والعصابات المنحرفة والشلل البائرة والتركيز على عدم أخذ الفتوى إلا من أهل الاختصاص والموثوق بهم والبعد عن النشرات الهدامة والانترنت المحطِّم للقيم والأخلاق.
ابتلينا ببعض من يدّعون أنهم من العلماء وهم من فئة الخفافيش يعيشون في سراديب الظلام يفتون الناس بغير علم ويرسلون فتاويهم عبر الانترنت للإفساد وليس للإصلاح هنا يتضح موقف العلماء العاملين المشهود لهم بالصلاح والتقوى والنصح للأمة والشفقة على شبابها.. فإن واجب هؤلاء العلماء يحتم عليهم التركيز على الشباب في المدارس والجامعات والمساجد والمنتديات والمراكز.. وعلى الجهات المعنية المختصة أخذ الحيطة والحذر وتفعيل أجهزتها بما يناسب المقام والحال.
والجميع اليوم- مواطنين ومقيمين ورجال حسبة ورجال أمن وشباباً وشيباً- مدعوون للتكاتف والتعاون كل على حسب قدرته واستطاعته في الكشف عن هؤلاء المجرمين ومن يتستر عليهم ويقف وراءهم حتى تُكشف مخططاتهم ويُقضى على جذور الشر والفساد وتسلم منهم البلاد والعباد.
سدد الله الخطى وبارك في الجهود وأدام على هذه البلاد المباركة عز الدين وأمن الوطن وسلامة القيادة والمواطنين والمقيمين وحفظ علينا ديننا وبلادنا وقيادتنا وشعبنا من كيد الكائدين ومكر الحاقدين وحسد الحاسدين وهو سبحانه وتعالى حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سعود بن سعد بن محمد آل رشود
المستشار بوزارة الشؤون الإسلامية
والأوقاف والدعوة والإرشاد
إمام وخطيب جامع العبد اللطيف بالرياض