ليس وحدهم الصينيون الذين يرون تورط الأمريكيين والبريطانيين في المستنقع العراقي، وتوقعهم أن يقودهم احتلالهم للعراق إلى ما حصل لهم في فيتنام، إذ يرى الخبراء الفرنسيون وحتى البريطانيون أنه لا يمكن إيقاف العنف والعمليات الهجومية للمعارضين للاحتلال الأمريكي مهما كثَّفت القوات الأمريكية من هجماتها العسكرية أو حتى قتلها لصدام حسين، كما اعترف الاختصاصيون العسكريون في بريطانيا بأن «حرب العصابات النموذجية» ضد قوات التحالف الأمريكية البريطانية قد بدأت وأن تورط القوات الأمريكية في مستنقع حرب العصابات عاد أكثر فأكثر.
لقد شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق بهدف إقامة سلطة «ديمقراطية» موالية لها وإعادة تنظيم تشكيلة الشرق الأوسط والسعي وراء مصالحها في النفط والسلاح، وقد أعرب حكماء بعيدو النظر من الفرنسيين والبريطانيين معاً عن قلقهم قائلين إن إعادة إعمار العراق أصعب بكثير من تحقيق الانتصار العسكري هناك، إن تنسيق العلاقات الدولية وتهدئة الشعور المعادي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومشاكل أخرى ليست بالأمر السهل. ويقلقهم أن حرب مكافحة الإرهاب هذه نشرت بذور الحقد مما أوقع الشرق الأوسط في اضطرابات أكثر ولم تحصل الولايات المتحدة على أمن أكبر.
إزاء تدهور الوضع الأمني واحتدام حرب العصابات في العراق أكثر، اضطرت حكومة بوش إلى تعديل إستراتيجيتها لتسرع بخطوات تسليم السلطات إلى العراق، ولكن مشاكل العراق ومستقبله لا تدعو إلى التفاؤل، وذلك يدل على أن الاعتماد على العصا الحربية لا يمكن حل مشكلة الإرهاب جذرياً ولا يمكن قهر القومية بقوة السلاح، وأن مكافحة الإرهاب في الصراع الاقتصادي والثقافي والديني والقومي لا تتحقق إلا بالاعتماد على التعاون الاقتصادي الدولي والمساواة السياسية، وأمام حرب العصابات التي تتسم بالمقاومة القومية، فإن «بحر المرارة لا حدود له وشاطئ التوبة قريب». على الولايات المتحدة أن تسلِّم قيادة الشؤون بعد حرب العراق إلى الأمم المتحدة بأسرع ما يمكن للحصول على التأييد الشامل من المجتمع الدولي، ذلك هو المخرج الحقيقي لحل مشكلة العراق.
|