* دمشق عبد الكريم العفنان:
وفق مصدر دبلوماسي غربي في دمشق فإن المخاوف من تحول الضغوط الأمريكية على سورية إلى حرب إقليمية، ازدادت بعد ارتفاع حدة التصريحات الإسرائيلية ومصادقة الكونغرس على العقوبات بحق دمشق.
وقال المصدر ل«الجزيرة» بان دمشق ما تزال تدير الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية الاعتيادية، محاولة تجاهل ما تسعى إليه كل من واشنطن وتل أبيب في عملية المحاصرة السياسية والاقتصادية لها.
فنفاد الأدوات الدبلوماسية بالنسبة للولايات المتحدة، على الأقل في المرحلة الحالية، يدفعها باتجاه الوسائل البديلة، وإذا كانت الحرب استمراراً للسياسة بوسائل أخرى حسب كلازوفيتز، فإن فرص الصراع اليوم تبدو أكثر قوة.
لكن السؤال وفق نفس المصدر يتعلق بالآلية التي ستتبعها دمشق لتجنب الصراع وسط ظروف إقليمية معقدة.
فسوريا تملك وضعا صعبا على حدودها الشرقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وجبهة غربية تريد حكومة شارون تأجيجها بأي وسيلة من الوسائل.
إضافة لتكوين سياسي رسمه زمن ما بعد 11 أيلول، حيث اختلطت الأوراق وتم فرز العالم بشكل قسري بين مساند للإرهاب ومناهض له.
وقال المصدر إن قيادة سورية أعلنت أكثر من مرة عدم رغبتها في التصعيد، لكن المأزق الإسرائيلي في حرب ضد الفلسطينيين أوصل العنف داخل الأراضي المحتلة إلى طريق مسدود، في وقت لم تستطع في الولايات المتحدة الحد من التدهور الأمني داخل العراق.
ويقود هذا الوضع إلى احتمالات مفتوحة لإيجاد منافذ في الوضع السياسي.
والمؤشرات الأولى هي ان الولايات المتحدة:
- لا تريد اتباع سياسة احتواء للأزمة في المنطقة، لذلك فهي تصعد ضغوطها بشكل مستمر، ولا تربط بين مطالبها والظرف السياسي.
من هنا فإن كل ما طلبته من دمشق جاء غائما ولا يحتوي على سقف محدد.
وفي نفس الوقت لم تحاول ربط مطالبها بإجراءات سياسية على الطرف الآخر.
فمسألة التسوية ما تزال عالقة، وطريقة تعامل حكومة شارون مع الوضع الإقليمي زادت سوءاً.
- تتصرف الولايات المتحدة مع سورية بشكل يذكر ب«حكومة حرب»، فما قامت به لا يدخل في إطار الحوار بل «المحاسبة»، وربما «العقاب» لموقف سياسي اتخذته سورية قبل الحرب على العراق، ويبدو أن دعوات سورية للحوار لا تشكل في الوقت بالنسبة لواشنطن أهمية واضحة.
- إن إدارة الأزمة بالنسبة لواشنطن يحكمها البعد الانتخابي، وبما أن الإدارة الأمريكية الحالية خسرت معظم الأصوات المسلمة، فإنها تريد التعويض عبر أصوات اليهود مما يدفعها للتعامل مع المنطقة ضمن منهج يميل الى التطرف.
وركز المصدر على ان الإدارة الأمريكية تطرح الاعتبارات الثلاثة السابقة ضمن رؤية «عراق ما بعد الحرب»، فهي تريد استكمال الطرف الثاني للمعادلة التي تسعى لإنشائها في العراق، وإذا لم تكن دول الجوار الجغرافي متوافقة مع النتائج المفترضة فلا بد من فتح جبهات ضغط متعددة، فما يمارس على سورية لا ينطبق مع طروحات الرئيس بوش في الحرب الوقائية، بل يدخل في استراتيجية «الوضع الافتراضي» حسب نفس المصدر، أي أن الولايات المتحدة تتجاوز التوازن السياسي القائم وتدخل ضمن واقع افتراضي، ثم تتعامل وفق هذا «الافتراض».
وقال المصدر ان الولايات المتحدة تعرف أن مستقبل العراق لا يمكن أن يتم بمعزل عن سورية وإيران، ولكن الضغوط على إيران تأخذ بعدا دوليا من خلال التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية، بينما لا تشكل سورية بالمعنى التقليدي أي قضية دولية، فباستثناء الاتهامات الأمريكية تظهر علاقاتها الخارجية متزنة لأبعد الحدود ودون أي مشاكل تذكر، ويمكن اعتبار توقيع اتفاقيات الشراكة مع أوروبا وفق نفس المصدر الورقة الأولى التي تتعامل بها سورية في مواجهة أزمة العلاقات مع الولايات المتحدة.
موضحا أن المؤشرات توضح ان الرهان السوري الأساسي يستند إلى طبيعة تطوير التعاون الاقتصادي، بحيث تصبح العلاقات حيوية مما يساعد على تطوير الدور السياسي لأوروبا.
فرغم أن الولايات المتحدة اتخذت قرار الحرب ضد العراق منفردة، لكن أي قرار آخر يرتبط بدولة لها ارتباط حيوي مع دول أوروبا لن يكون بسهولة قرار احتلال العراق.
وقال المصدر ان الأحداث التي سبقت الحرب على العراق أدت لإضعاف الدور الإقليمي، الذي كان يتبلور ببطء.
لكن الدور الإقليمي يمكن أن يتبلور لاحقا مع تطور التعاون على الأخص بين سورية وتركيا من جهة، وسورية والسعودية من جهة أخرى، فسورية تريد توظيف البعد الإقليمي، مبينا ان مستقبل الصراع سيحمل عددا من الأدوات غير الاعتيادية لمواجهة التأزم الإقليمي، لكن كافة هذه الأدوات ما تزال مرهونة برسم استراتيجية مواجهة لدول المنطقة تعتمد أساسا على فهم احتياجات القادم، بما فيها الموازنة بين قوة الولايات المتحدة وأوروبا.
|