ليس هناك أدل على رقي وتقدم الأمم وجدارتها بالحياة واستحقاقها لقيادة العالم أجمع عن سمو الأخلاق الإنسانية في الأفراد والشعوب.
نعم نريد سمواً يفيض بالبر والعطاء والرحمة والخير على كافة طبقات المجتمع ويتعدى إلى غيرها من الشعوب وخاصة المسلمة المنكوبة، بهذا المقياس تبقى الحضارات وتدوم الأمم والشعوب وأمتنا الإسلامية وصلت في هذا المجال ذروة الأخلاق الإنسانية التي لم تصلها أي أمة أخرى وأي شعب من الشعوب. نعم بلغت الأمم الغربية في هذا المجال الذروة لكن لم تبلغ ذروة الكمال الإنساني الخالص لله تعالى عز وجل كما بلغتهما أمتنا في عصور القوة والمجد أو عصور الضعف والانحطاط. إن اندفاع الغربيين نحو المبرات والمؤسسات الخيرية الإنسانية كان لأغراض سياسية ودينية واقتصادية بينما كان الدافع الحقيقي للمسلمين هو ابتغاء وجه الله تعالى سواء علم الناس بذلك أم لم يعلموا وحسبنا دليلاً على ذلك ما تقوم به المؤسسات الخيرية الإسلامية في البلدان والأقطار كافة حتى أن لها القدح المعلى في السبق إلى الإنشاءات العمرانية الحديثة للمستضعفين في البلاد وفي شتى الأقطار كافة وعلى سائر الناس وعلى العكس من الغربيين فإنهم لا يقومون بذلك الجهد إلا لأجل مادة يطلبونها أو بلد يريدون ثرواته ومدخراته.
ولذلك فالإسلام ينادي بالدعوة إلى الخير نداء تنهزم معه في النفس الإنسانية بواعث الشح ووسوسة الشيطان في التخويف من الفقر فيقول تعالى بعد الحث على الإنفاق:
{ الشَّيًطّانٍ يّعٌدٍكٍمٍ الفّقًرّ وّيّأًمٍرٍكٍم بٌالًفّحًشّاءٌ وّاللَّهٍ يّعٌدٍكٍم مَّغًفٌرّةْ مٌَنًهٍ وّفّضًلاْ.. }
ويعمم الدعوة إلى الخير على كل مقتدر بل كل إنسان فقيراً كان أو غنياً، أما الغني فيفعل الخير بماله وجاهه وأما الفقير فيفعل الخير بيده ولسانه وقلبه وعمله. ولذلك لن تجد في الإسلام إنساناً لا يستطيع أن يجود في ميادين البر والخير.
لذا فإننا نهيب بالمؤسسات الخيرية أن تجعل هناك أوقافاً يعود ريعها على إقامة التكافل الاجتماعي وتزويج الشباب والفتيات العزاب ممن تضيق بهم وبأيدهم نفقات الزواج وتقديم المهور فما أروع هذه العاطفة وما أحوجنا إليها وبكثرة وعلى نطاق واسع حتى يجتمع لم الشمل. إن الإسلام يفتح أبواب الخير للناس جميعاً حتى يستطيع أن يفعله كل أحد، العامل والتاجر والفلاح والتلميذ والمرأة والعاجز والأعمى والمقعد من غير أن تحول ظروفهم الاقتصادية دون المساهمة في إشاعة البر والإحسان في أنحاء المجتمع. ويسمو الإسلام بالنفوس إلى أعلى أفق من الأخلاق الإنسانية العالية حين يجعل البر بجميع عباد الله مهما كانت لغاتهم وأماكنهم وأجناسهم فيقول صلى الله عليه وسلم: «الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله» رواه الطبراني.
* القصيم - بريدة/جامعة الإمام - قسم التاريخ
|