Sunday 23rd november,2003 11378العدد الأحد 28 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من يواسي حرفي ونبضي؟! من يواسي حرفي ونبضي؟!
مأساة.. ولدتها «لغة الكمبيوتر»..!!
سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي/ معلم بمتوسطة صقلية - المذنب

مأساة.. وأي مأساة!! مأساتي تلك التي سأكتبها لكم على أجنحة النيروس.. هي تلك أجنحة «الرأي».. عبارات وكلمات أنقشها على خد الأثير.. عن أي مأساة أتحدث؟! إنها مأساة أنقلها لكل إنسان لديه وجدان وضمير.. التزمت الصمت زمناً.. وتفجر بوحي كمداً وقهراً.. أطلق صرخة الكرى.. عبر مساحات «الرأي» أفهل تتقبلها يا ترى؟ أم تراها - تضرب صفحاً عن مقالتي.. وتعدها من عبث الحروف والكلمات؟
لا أُخالها إلا خدينة.. بوح صادق يخرج من الأعماق.. فلا تبتئسي.. «صفحة الرأي» ولا يأخذ منكم - قرائي الأعزاء - تملُّك الدهشة والغضب من دوي انفجار صرختي المكلومة!!.. ولأبيح لكم سر هذه المأساة: كفاني قولاً.. أَن ليت أحرفي هذه التي تقرؤونها طالتها الأيدي لا آلات الطبع الحديثة.. مستحيل أن تبقى عباراتي لغزاً محيراً!! أو سؤالاً يفقد القارئ إجابته!!؟ بين ثنايا سطوري ولن أكون أنا الجواب.. طالما إجاباتي تلاحق خطواتي.. وخطوات قلمي الهاربة.. من لهيب وطأة تلك الطابعة الإلكترونية التي طبعت حرفي.. ولطالما ألغت هويته وقدمت لكم كلماتي فقيدة الحرف أو الحرفين.. وليختل معنى الكلمة ومفهوم الحوار..هذا ما أعنيه نعم «طابعاتنا الإلكترونية عبر الكمبيوتر» ألغت هوية خطنا العربي نعم «الخط العربي» الأصيل الذي افتقدنا رونقه وجمالياته.. فهو أرقى وأشهر خطوط العالم البشري على وجه البسيطة.. إن له من حسن شكله وجمال هندسته.. وبديع نسقه ما جعله محبوباً لدى الأجانب!!.
وبدايات الخط العربي كان مبعثها المعرفة والتعلم، ثم بعد ذلك وضعت له القوانين والأسس الموضوعية والعلمية واخترعت له أساليب ابتكارية.. وطالما ألحَّ عليَّ سؤال يطرق سماء خاطري مفاده: ما السر وراء جمالية هذا الفن؟ وهل بإمكان عقليتنا الإسلامية والثقافية الارتقاء بهذا الفن.. وللإجابة عن مثل هذا السؤال وغيره من التساؤلات.. كان لابد من التعرف على أساسيات تدخل في صميم هذه الجمالية.. وطبيعة الخطوط.. تلك التي تنبع من عقلية «الخطاط.. وتنبع من وجدان وروح البيئة.. وفناننا المسلم أدرك هذا الجمال وسخر قلمه لتزيين آياتنا الكريمة ولتطرب أبصارنا بروعة إبداع رسم المصحف الشريف!! أما أشهر الخطاطين فلكل عصر خطاطوه الذين عاشوا بسطاء مغمورين.. في العصر الأموي يبرز لنا خالد أبو الهيَّاج وهو الذي خرج بالخط من الشكل الكوفي إلى ما هو عليه الآن.. ففي المصحف وهو مخترع القلم الصومار.. والقلم الجليل.. وهو ما نسميه بالقلم الجلي «أي الكبيرالواضح» وهناك خطاطون كثر بعد أبي الهياج كالضحاك بن عجلان وإسحاق بن حماد وابن مقلة وإبراهيم الشجري وعلي البغدادي وياقوت المستعصم وبعض هؤلاء برزوا في العصر العباسي «لا أريدالاسترسال في تاريخ الخط العربي» ولأرجع لجوهر موضوعي ومأساتي.. حيث كانت رسائلنا في السابق تفتح صحائف الوفاء بخط يدوي.. مهما اعتراه.. من رداءة الخط.. إلا أنه يبقى جميلاً في عين كاتبه.. إلى أن تطاله الذائقة التدريبية فيحسن من خطوطه..
** أحبتي.. لخطنا العربي تاريخ.. اصيل.. له أعلامه.. له مخطوطاته.. أين نحن من تفعيل هذه الخطوط إلا ما ندر!!
** آه.. اليوم نفضت الغبار عن سنيني المتعبة ورحلت في مدى الحزن العميق.. على اندثار الخط العربي.. واندثار قواعده بين الناشئة.. حتى لم يعد للخط العربي.. اليوم صيته وذيوعه.. لم يعد له اهتمام بين أرباب الكلمة والقلم!!
** ما زلت أحمل في حقيبتي ذكريات مؤلمة حينما أرى دفتر الخط العربي للسنة الابتدائية.. ثم أرى أنه وئد الآن واحتضر تحت وطأة الكمبيوتر.. أو إن صح التعبير الحرف الإلكتروني.. يا الله.. تتعثر الكلمات على شفتي.. أختزن في صدري بحراً من الأسئلة الحائرة.. أين الخط العربي؟.. أين هو في مدارسنا؟ لم هذا التدني في الخطوط عند الكثيرين من معلمين وطلاب وموظفين؟ أدرك أن الموهبة تصنع هذا الخط.. ولكن أين التدريب والتفعيل لأساسياته!! لم أجهزنا على خطنا العربي؟! لم حكَّمنا الكمبيوتر ليطبع لنا أحرفنا.. ويطبع الحزن والانكسار على قلوبنا لفراق وأقول «الخط العربي» عن الساحة اليوم!! وما حالي إلا كحال الشاعر حيث يقول:


ويعتريني الردى بين دمع ويأس
وأصبحت أعيش بوعي مماتي

لم أصدِّق.. بل لم أتصور ما آل إليه «خطنا العربي» من إهمال وتجاهل.. واعتماد بالكلية على طباعة الكمبيوتر وليسطر لنا بحوثنا.. مقالاتنا.. مكاتباتنا.. ومعاملاتنا.. وأشياء وأشياء كثيرة قامت هذه الأيام على ثورة الكمبيوتر.. حتى حرفنا العربي لم يسلم من عبث هذا الكمبيوتر.. وبقدر ما - نحمد الله - على هذه النعم وعلى نعمة الكمبيوتر والتطور والتقدم إلا أننا نندب حظنا على ضياع صوت هذا «الخط العربي».
آه.. يا خطنا العربي.. لقد تصبرت.. وأضناني الفراق.. وبكيت بدمع سخي كأمطار الشتاء.. وشربت حنظل الوجد والحزن من طول الفراق..
ها أنذا أُبيح جرحي.. لصفحتي «الرأي» فهل تحس.. ويحس صانعو مجدها.. بهذا الإحساس!!؟
يداعبني القلم.. فما أناله بمجيب حتى يسجل غرابته على الورق.. محتار من ضياع هذا الفن العربي وقتله بخنجر «الآلة الإلكترونية.. أو الكمبيوتر» ودفنه تحت الثرى.. أشياء كثيرة.. تلك التي تحيرني.. وتجمد الدم الأزرق في عروق قلمي.. الحيرة غزت أحلامي.. وبددت أفكاري.. ولم ألقَ صدى لشكواي!! حتى أوراقي ودفاتري احترقت بآهاتي وحسراتي على ضياع ممارسة خطنا العربي في زحمة الكمبيوتر.. توقفت لحظة وكتبت فوق جدار «انكسار حزني».
«إن الكتابة عن الخط العربي شيء يختلف عن كل كتاباتي.. الكتابة فيك.. تحتاج إلى دراسة.. بعد أن تولدت فكرة في قاع مخيلتي.. ولتبدو حقيقةً ماثلةً أمام العيان.. كنت أكتب بقلمي فتخضرُّ الأحرف والعبارات حتى إنها تنسيني سقطات خواطري.. وفشل انكساراتي، ولأفاجأ بحرفي.. مطبعياً.. حتى إن آلات الطبع لم ترحمه.. وأخذت تلطش.. تمحو حرفاً.. وتقدم حرفاً.. وتلفظ نقطاً.. حتى ذاقت أحرفنا الضيم والإهانة.. ولم نعد نجيد من الحرف إلا بيانه!!
** أرجوكم دعوني «أهيم وأحلق في فضاء «خطنا العربي» دعونا نستشعر روعته وجماله.. إني أتساءل لم لا تطبع الصحف أحرفنا وبأنواع خطنا العربي.. ولنمتع أبصارنا بروعته.. فأحرفنا وكما ترون الآن لا تحمل من خطنا العربي سوى صورة واحدة ألا وهي «النسخ».. بينما الأنامل تتنمق في الصحيفة أسطراً.. وبكافة أنواع الخط العربي.. منها نستشعرها ونتعلم فنونها لا أن نهمشها بطباعة عملنا «عبر الكمبيوتر».
أمنية: كنت أتمنى - فيما لو مثلث أحرفي هذه أمامكم أن تكتسي بلون من ألوان الخط العربي مخالف لخط النسخ - أقول أتمنى ذلك!!
ولكن ما أظنه واقع لا محالة - هو أن أحرفنا ستظل جريحة إثر وطأة الطابعات.. وستستظل بظل هجير هذه الآلات.. إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!!
فاصلة:


الخط يبقى زماناً بعد كاتبه
وصاحب الخط تحت الأرض مدفونا
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved