Sunday 23rd november,2003 11378العدد الأحد 28 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
إنهم يتآمرون علينا!!
(2/8)
د.عبدالله بن ناصر الحمود (*)

ما أكثر ما نسمع ونقرأ ما خلاصته «إننا مستهدفون من قبل الغرب!! والغرب منشغل جداً بإعداد السياسات المحكمة لمهاجمتنا في كل مكان وزمان!! ولذلك فمرد إخفاقاتنا المتكررة الى الغرب الذي سنَّ سُنَّة الاستهداف لأمة الاسلام!!» وفي خضم الهروب في من مواجهة الذات، يحاول البعض بذلك القاء الملامة على الآخر، متجاهلين حقيقة ان التفاعلات الاجتماعية تقضي بضرورة أن كل أمة تحترم نفسها تسعى لدعوة الآخرين لما تعتقده من مبادئ ومثلٍ ثقافية - اجتماعية. ولا أعتقد ان الغرب إلاّ أمّة شديدة الاعجاب بذاتها، عظيمة القناعة بأن مبادئها وقيمها الثقافية - الاجتماعية صالحة لكل زمان ومكان.
وبذلك رأت الحق في أن تبذل الغالي والرخيص من أجل «تغريب» العالم كله، وهذا أمر طبعي. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن أمة الاسلام «لأنها تحترم ذاتها أيضا، وتؤمن بمشروعية رسالتها في الحياة» لم تأل جهداً منذ أكثر من أربعة عشر قرنا في دعوة العالم كله الى الاسلام، سيما وهي الأمة التي تؤمن «وربما أكثر مما يؤمن الغرب» بعالمية رسالتها، وبذلك فقد اتجهت جهود المسلمين على مر العصور الى استهداف العالم برسالة الاسلام، المبنية على العدل والسلام.
هذه المقابلة الواقعية بين «استهدافين عالميين» تؤكد ضرورة القفز فوق أطروحة الغزو ونظرية الاستهداف، ليس لأنهما غير موجودتين بل لأنهما يمثلان سنة كونية حتمية لا يليق بمجتمع معاصر تعليق فشله أو نجاحه بهما. هذا الأمر يؤكد ان العالم مسرح ضخم لكثير من الصراعات والتفاعلات، وأن السيادة فيه ستكون لمن يمتلك مكونين متلازمين: «آليات السيادة» «ومضامين النبل» وأقدم هنا الآليات على المضامين اتساقا مع ايماني العميق بأن مهارة آليات السيادة أبلغ كثيراً في التأثير على المجتمعات الانسانية من نبل المحتوى، ومن - باب آخر - اتساقا مع «أن المعاني ملقاة في الطرقات، وأن ليست العبرة بالمعنى وإنما العبرة بالمبنى»، كما نقرأ في تراثنا الثقافي. ولكن مع أولوية تلك الآليات فلن تكتمل السيادة الفاعلة لأي أمة ما لم تتكامل آليات سيادتها مع مضامين فعلها الاجتماعي الثقافي. ومن الواضح اليوم أن العالم «كله» يكاد يغرق في متاهة فقد السيادة الدولية، لأن كُلاً من الأمتين الاسلامية والغربية لا تمتلكان المكونات اللازم اجتماعهما لاقناع الشعوب المستنيرة في العالم بعدالة القضية وكمال المشروع الأممي، ففي حين أجزم بعدالة المشروع الاسلامي وملاءمته لسيادة العالم، أجزم من جانب آخر بفشل المجتمعات المسلمة في امتلاك أيسر وأبسط آليات تقديم هذاالمشروع العظيم، ليس لشعوب العالم الآخر فقط، ولكن أيضا، لكثير من كيانات المجتمع المسلم ذاته. وبالقدر نفسه، فحين امتلك الغرب آليات متطورة للفعل الاجتماعي الثقافي عجز عن اقناع شعوب العالم مجتمعة بعدالة قضيته وملاءمة مشروعه الديموقراطي الرأسمالي. وبذلك لم يسغ لدي قبول القول إننا مستهدفون من قبل الغرب بقدر ما أجد ارتياحا لفكرة مفادها ان امتلاك الغرب للآليات المتقدمة والعمل المنظم جعل مشروعه يبدو أكثر بريقا، في حين ان مشروع أمتنا قد يُسأل كما تُسأل الموءودة بأي ذنب قُتلت.
إن هذا النوع من الهروب من مواجهة الذات ونقدها، والحرج الشديد الذي ربما كان سيشعر به عدد من المثقفين والمؤثرين في المجتمع «لو أنهم ألقوا باللائمة على ذواتنا المجتمعية في معرض تناولهم لمشكلات المجتمع»، قد شكل ثغرة أولى في النسيج المجتمعي بقيت معه محمياتنا الفكرية وكياناتنا المجتمعية هدفا مستساغا لأي نوع من أنواع الهجوم المتاحة، لأننا لم نتعلم بالقدر الكافي، كيف نكوِّن أفكارنا ونحميها، وكيف نقوِّم ذاتنا وندافع عنها باقتدار، ولم نناقش باستفاضة أهمية امتلاك الآليات المناسبة والمتطورة جدا للمضامين النبيلة التي نحملها، ولم نقوّم باقتدار تجربتنا الفكرية ومحدداتنا المجتمعية في ضوء معطيات العصر ومتطلبات المرحلة، وبذلك فقد بقيت آليات فعلنا الاجتماعي الثقافي متأكسدة صدئة خشية التغيير الذي كان ولا يزال يعتقد البعض أنه سيقوض أركان مجتمعنا وينسف قيمه، فكانت النتيجة أن صرنا هدفا لقوى التغيير العالمية.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام بالرياض

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved