أعتقد أنه الشاعر العملاق خلف بن هذال هو من صاغ بيت الشعر الشعبي الذي لا أتذكر سوى الصدر منه ونصه:
افتح النافذة للشمس تدخل عليك..» وأعتقد أيضاً أنه غاندي الذي أثر عنه القول: «أريد أن أفتح نوافذي على العالم شريطة أن لا تقتلعني رياحها».
فهل هناك يا ترى علاقة في المضامين بين قول شاعرنا الشعبي المبدع خلف.. ومقولة غاندي؟!
شخصياً أعتقد ذلك.. حيث إنه بفتح النوافذ وفقا لنصيحة الشاعر خلف تتدفق أشعة الشمس لتشع في أجواء الداخل وتزيل عتمتها وتنقيها صحيا كما أن موافقة غاندي المشروطة على فتح نوافذه للعالم هو في جوهره تأكيد لحماية صحة الداخل من سموم الرياح الخارجية. إذن كيف نوفق بين فتح النوافذ لتلج أشعة الشمس وضمان عدم احتراق ما في الداخل كذلك كيف نوفق بين فتح النوافذ أمام العالم وضمان ألا تقتلعنا رياحه العاصفة؟
وبما أن فوائد أشعة الشمس لصحة البيئة ومخلوقاتها - بما في ذلك الإنسان - أجلى من أن توضح وأكثر من أن تعد أو تحصى، دعوني أقول إن غاندي قد عنى بالرياح الواردة في عبارته.. الرياح النكباء «ثقافيا» لاسيما منها ما يهب من واقع يختلف ثقافياً عن واقع الداخل. وهنا نستطيع القول إنه بوسع المتمعن في قول خلف ومقولة غاندي أن يجد بينهما قاسما آخر على وجه التضمين رغم ذلك. فعدم فتح النوافذ أمام أشعة الشمس دعوة مفتوحة للظلام ليسود في الداخل، كما أن رغبة غاندي - المشروطة - في فتح نوافذه إشارة إلى الأهمية القصوى لإطلاق سراح نسائم الداخل وإلا أضحى البديل هبوب رياح «التغيير» الغريب المغرب حيث يصبح التغيير في مثل هذه الحالة قسرياً.. ممسوخاً.. عاصفاً.. لا خيار فيه ولا سيطرة عليه.
إنها معادلة دقيقة.. وبالغة الصعوبة والحساسية يحتاج ضبط توازنها وترشيد مساراتها والسيطرة علي اتجاهاتها إلى كميات هائلة من الفكر المتزن والأفكار المتوازنة، وأدنى إخلال بهذه المعادلة من شأنه أن يقود إلى سيادة الظلام أو تسيد ثقافة الآخر. والنتيجة في أي من الحالين هي انعدام الرؤية واختناق الرؤى واختلال التوازن واضطراب مقاليد الأوضاع على شكل قد يعصف بسفينة المجتمع ويجنح بها نحو المستنقعات الضحلة للغزو الثقافي المقيت.. المميت للذات أو الهوية الثقافية.
في الختام.. ماذا لو ا فترضنا أن غاندي قد امتد به العمر ليعايش جنون وقتنا هذا الموسوم بمخترعاته المجنونة والقاتلة للخيارات: هل يا ترى سيكون بحوزة غاندي «الترف» الثقافي ليطلق عنان خياره «المشروط» لفتح نوافذه..؟!.. شخصياً لا أعتقد ذلك.. والسبب جد بسيط: حيث لم يعد الآن لأحد حق ادعاء ملكية الخيار لغلق أو فتح نوافذه الثقافية «على كيفه!».. فالمسألة أضحت قسرية لا خيارات فيها. أما الحل فيتعين باطلاق تيارات نسيم الداخل ليلطف ثقافياً حرارة الرياح الثقافية المزمجرة هبوبا من الخارج..
|