قال لي صاحبي: مالي أراك لا تكتب في هذه الزاوية عن الأدب الإسلامي مع أنك كتبت عنه مرَّاتٍ عديدةٍ، وصدر لك في دراسة منهجه كتب تناولْتَ فيها الموضوع تناولاً علمياً موثَّقاً؟
قلت له: هذه الزاوية بعنوان دفق قلم، فأنا أترك فيها القلم على سجيّته، يركضُ كما يشاء في هذا الميدان الذي حُدّد لقلمي في هذه الجريدة، ولم أشعر أنه عرّج بي في ركضه على هذا المجال.
قال لي: ولكنّ هنالك أقلاماً تكتب عن الأدب الإسلامي بقدرٍ كبيرٍ من التحامل، وتحاول أن تربط بينه وبين «الإرهاب»، مدّعية أن معظم نصوص الأدب الإسلامي تدعو إلى العنف والإرهاب، ولا تدعو إلى التسامح.
قلت لصاحبي: لم أتمكن من قراءة شيء مما ذكرت، وإن كانت هذه التهمة قد أصبحت تُلقى هذه الأيام على عواهنها، وتوسّع فيها قوم من الغرب ومن بني جلدتنا حتى صار كلُّ التزامٍ بمظاهر الإسلام إرهاباً، أو مشجعاً للإرهاب.
ولا شك أنّ هذه القضية - بعمومها - تحتاج إلى وقفة واضحة حاسمة من رجال العلم والفكر والأدب الذين يستوعبون القضايا استيعاباً صحيحاً ويعرفون الحدود الفاصلة بين المصطلحات، لأن الأقلام المصابة بجُرثومة «التحامل» وطاعون «سوء القصد» تقع في مستنقع الإرهاب «الفكري والثقافي»، وتحاول أن تغتنم فرصة وجود الماء العكر في سياسة الدول الكبرى، فتلقي فيه بالشباك تصيد من سمك الوهم ما تصيد.
إنَّ اتهام الأدب الإسلامي بالإرهاب دليل على خللٍ في فهم الذي يطلق التهمة، أو على سوء قصد، وكلاهما انحراف عن طريق الموضوعية والانصاف، والعدل في القول الذي يجب أن يكون سمةً من سمات الكتَّاب الذين يسعون إلى التوجيه والإصلاح، والبناء، لا إلى التضليل والإفساد والهدم.
إن الذي يستعرض ما يكتبه الكاتبون - هذه الأيام- في العالم كله يُدرك أن هنالك كتّاباً ومثقفين يخلطون بين الأمور خلطاً خطيراً، فلا يرون فرقاً فيما يكتبون بين «الجهاد المشروع، والإرهاب» ولا بين «الالتزام بالدين والتعصب الأعمى» ولا بين «المقاومة المشروعة، والاعتداء الآثم» ولا بين «تطبيق شرع الله، وتطبيق الآراء الشخصية المتلبِّسة بالشرع» ولا بين «الأدب الإسلامي، والأدب العنصري المتعصب» ، وهذا الخلط له آثاره السلبية الخطيرة على المجتمعات البشرية، لأنه يبنى نتائج على مقدمات فاسدة، ويصدر أحكاماً انطلاقاً من أفهام سقيمة، وهو بذلك يُربك عقولَ عامة المثقفين، ويثير البلبلة في نفوس وعقول الشباب، ويسوق الأدب والثقافة والفكر إلى سراديب مظلمة من التحامل والتعتيم.
الأدب الإسلامي - أيها الأخ الكريم - أفق فسيح، وإبداع متألِّق، وذوق رفيع، ورؤية شاملة للكون والحياة والإنسان، ونظرة متوازنة إلى المواقف والأحداث والأشخاص ، وحماسة راشدة في نشر الحب والخير والصفاء والنقاء بين الناس، وفي مواجهة الباطل وأهله الذين يكيدون لكل فكر سليم، وأدب مستقيم، وحياة مستقرة بما فيها من الإيمان واليقين، وحبّ الخير للناس أجمعين.
أين الارهاب بمعناه المعاصر من سماحة الأدب الإسلامي ومصداقيته، وشموليته وتوازنه التي يستمدها من الإسلام العظيم؟
إذا كان هدف من يردّد هذه «التهمة» أن يُسقط معنى الارهاب المعاصر المرتبط بالعنف والجريمة على نصوص الأدب التي تناصر المظلومين، وتدافع عن المشردين الذين تُغتصب حقوقهم في العالم، فإنه هدف رخيص باطل تنقضه حقيقة الأدب الإسلامي الناصعة، وترفضه الفطرة السليمة، وينكره الوعي الثقافي والاتزان الفكري، وحسبك بذلك رداً للباطل وردعاً لأهله.
إشارة:
وكم من صديق تحسب الخير قصده
وتبدو على مرِّ الليالي مهازلُه
|
|