Sunday 23rd november,2003 11378العدد الأحد 28 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الإرهاب ورائحة الدم الإرهاب ورائحة الدم

عند التمعن والنظر في الأحداث الإرهابية التي حدثت في المملكة العربية السعودية، في الفترة الماضية، وعلى هيئة سلسلة دموية عنيفة لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذه البلاد الآمنة وبالأخص التفجير الأخير يصاب المرء بالذهول والحيرة الشديدة، بل والصدمة المروعة والمرارة البالغة، لما يحصل من إزهاق للأنفس البريئة والمعصومة، وترويع للآمنين، واستباحة حرمات معلوم تحريمها من الدين بالضرورة، ليست محل نزاع أو خلاف بين السلف والخلف.
إن مناظر الجثث والأشلاء المتطايرة، للرجال والنساء والأطفال الأبرياء، وصور الخراب الذي حل بالممتلكات العامة والخاصة، بل ووصل ذلك إلى بيوت الله سبحانه، كل ذلك يجعل قلوبنا تنفطر من الألم، وأحاسيسنا يصيبها الشلل من هول هذه الأفعال الإجرامية التي تخرج عن كل دين وعرف إنساني سليم فضلاً عن الدين الإسلامي الذي جاء بالحفاظ على الأرواح والممتلكات ومحاربة كل ما يضاد ذلك.
ومصدر هذه الصدمة يعود لعدد من الأسباب وفي مقدمتها ان شعب المملكة العربية السعودية مسلمون موحدون، يسيرون على منهج السلف الصالح في الاعتقاد والتشريع، ومعلوم ان منهج السلف الصالح من أهل السنة والجماعة من أشد المذاهب تحريما وتشديدا في قضايا التكفير وحمل السلاح والخروج على ولاة الأمر ومقاتلتهم، واستحلال سفك الدماء المعصومة، وترويع الآمنين، والتعدي على أموال وممتلكات الآخرين.
قال صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» حديث صحيح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» حديث صحيح.
وقال الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة: «من خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات هذا الخارج عليه مات ميتة جاهلية».
وأضاف القول «ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق».
وقال الإمام الطحاوي «لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله».
فإذا كان ذلك هو النهج المعتمد في هذه البلاد فما الدافع لهؤلاء البغاة المحاربين لله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم لارتكاب جرائمهم المتعددة واستحلالهم سفك الدماء؟
والآمر الآخر هو النهج الاجتماعي للمجتمع السعودي، فهو مجتمع آمن بعيد عن العنف والتطرف، وامتهان الإجرام المنظم بهذا الشكل الدموي الرهيب، فلم يكن اطلاقا من ثقافة هذا المجتمع ما يوصف اليوم بثقافة العنف الدموي المدمر.
فعلى مر السنين كان هذا المجتمع مجتمعا مترابطا فيما بينه، وخلاقا وايجابيا في علاقاته مع الآخرين حتى مع غير المسلم.
فقد صاحب وجود غير المسلم وبشكل كبير في المملكة بداية اكتشاف النفط قبل عشرات السنين، ولم ينجم عن هذا الوجود أي مشاكل، أو أي رفض لهذا الوجود، لقناعة المجتمع السعودي ان هذا الوجود لا يضر مصالحه، وعدم وجود ما يمنع ذلك متى ما كانت الحاجة قائمة لهم، وكانوا ملتزمين بالعقود التي أعطيت لهم من ولي الأمر، يضاف إلى ذلك الأعداد الكبيرة من البعثات التعليمية والتدريبية السعودية التي ذهبت إلى شتى أصقاع العالم للدراسة والتدريب، فعاشت مع الآخر دون صدام أو تنافر بل كان هؤلاء مضرب المثل في التعامل وكانوا سببا لهداية بعض الذين عايشوهم أو احتكوا بهم.
إذاً لم يكن الاختلاف في الدين أو العادات والتقاليد والثقافة سبباً للصدام بين السعودي وغيره، ولم يؤد إلى رفض وجود الآخر.
فإذا كان معتقدنا وعاداتنا الاجتماعية لا تحث على هذا العنف فما السبب؟
يذكر البعض ان السبب قد يكون البطالة أو قلة الفرص التعليمية أو بعض العوائق النظامية والإدارية، أو غياب المشاركة الشعبية، وغير ذلك من الأسباب، واني لأجزم ان أياً من هذه المبررات والأسباب أو غيرها لا يكون سبباً ودافعا حقيقيا لارتكاب هذه الفظائع المشينة، لأن هذه المعوقات لا ترقى بأي حال من الأحوال لأن تكون محفزاً لمثل هذه الأفعال، وبالتالي فإن هذه الجرائم المركبة غير مبررة دينيا وأخلاقيا على الاطلاق.
واعتقد ان الأسباب الحقيقية تعود لخليط من الانحراف الفكري العقدي، وتحكيم الأهواء في فهم النصوص الشرعية وعدم الصواب في تطبيقها على الواقع.
لأنه لا يمكن في اعتقادي ان يقدم أي إنسان سوي على الانتحار، وبشكل جماعي وبشع بهذه الطريقة، إن لم يكن لديه تفسير مستمد من معتقده كما يظن، وهذا مكمن الخطورة في هذه الأحداث، فهم لا يدركون ان أفعالهم مخالفة للشرع وفاسدة في منطلقاتها وفي غاياتها وأهدافها، ولا يدركون انها ضرب من ضروب الحرابة والافساد في الأرض ومحاربة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل على العكس من ذلك يرون انها قربة إلى الله، وجهاد في سبيله.
ولهذا فإنه يجب محاربة هذا الفكر المنحرف من خلال محورين رئيسيين:
الأول: القوة الشديدة ضد هؤلاء كما يعمل حالياً من قبل السلطات الأمنية، وكل من ساعدهم أو شارك معهم بأي نوع من المشاركة، سواء كانت مادية، أو معنوية.
وأما المحور الآخر فهو: محاربة هذا الفكر واتباعه من خلال تفنيد حججهم، ونقض اطروحاتهم، وعدم التحرج من مناقشة كافة المسائل التي يستندون إليها، ويقيمون عليها منهجهم.
وان هذا يتطلب حشد الطاقات والإمكانات وبشكل سريع وفعال، لخطورة هذا الفكر، ولأنه موجه ضد الجميع الدولة والمجتمع على حد سواء، ولكل مكتسباتنا البشرية والتنموية.
ولا يتم ذلك من خلال ندوات تلفزيونية أو إذاعية، أو مقالات صحفية فقط بالرغم من أهميتها ، وإنما يتم من خلال مراكز البحوث وتجنيد كامل الطاقات البشرية المتخصصة، من علماء الدين، ورجال الفكر، واساتذة الجامعات والمعاهد، وبالتعاون الوثيق بين الجهات الأمنية التي تباشر هذه الأحداث وعلى تماس مباشر بها.
وأخيراً إشراك المواطنين والمقيمين في هذه الحملة، واشعارهم بأهمية دورهم ومسؤوليتهم المباشرة في ذلك، لأننا في سفينة واحدة، أي ضرر يلحق بها يصيب الجميع، بل ويؤثر على أجيالنا القادمة.
وهذا سوف يضمن بإذن الله تعالى اقتلاع هذا الفكر من جذوره، لأن المعالجة ستكون أمنية وعلمية ومشاركة الجميع في تحمل مسؤولياتهم نحو دينهم ثم ولاة أمرهم ووطنهم.
وإني أحث الجهات العلمية والبحثية على المبادرة، بتقديم المساندة إلى الجهات الأمنية، حتى ولو لم يطلب منهم، وتوجيه ودعم عدد من البحوث لخدمة هذا الهدف، وذلك لتقديم المساعدة الفعالة للجهات الأمنية التي تقوم بواجبات عظيمة، وعلى جبهات متعددة وفي آن واحد.
ولهذا فإني ادعو صحيفة الجزيرة لتكون سباقة في المشاركة بمحاربة هذا الفكر المنحرف، بشكل مؤصل، من خلال تخصيص صفحة يومية بمسمى «مكافحة الإرهاب» أو «الحرب على الإرهاب» تستقطب لها المختصين من مختلف التخصصات، للادلاء بآرائهم وخبراتهم وتجاربهم، لتشخيص هذه المعضلة، ومن ثم ايجاد الحلول العلمية الفعالة لها بإذن الله.

د. جمعة بن خالد الوقاع
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بكلية الملك خالد العسكرية

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved