في موقعه على الإنترنت، يقول الدكتور سفر االحوالي في أحد «بياناته» محتجاً على من رفض إلحاق الإرهاب بدين الإسلام:« ينزلقون في منزلق المصطلحات الخداعة فيقولون إن الله حرم الإرهاب، أو أن دين الإسلام بريء من الإرهاب، مع أن إرهاب أعداء الله في كتاب الله مطلوب، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }.
هنا يظهر لنا جلياً مشكلة القلق في فهم المصطلح الجديد عند كثير من مثقفينا، الأمر الذي يجعلهم يفهمون بعض «المصطلحات» الوافدة إلينا من خارج منظومتنا الثقافية، ليس من خلال لغتها الأصلية وإنما من خلال ترجمتها، ثم يعتبرون أنفسهم مؤهلين ليس في الكتابة عنها فحسب، وإنما في إصدار الفتاوى بناءً على هذا الفهم الخاطيء أيضاً.
وهذا الفهم المشوش لدى أستاذ العقيدة لمصطلح «إرهاب» هو ما جعله يتعجل ويحكم على الإرهاب بأنه جزء من واجبات المسلم، دون أن يكلف نفسه عناء فهم هذا المصطلح فهماً دقيقاً وعلمياً من خلال مدلوله الاصطلاحي لدى الثقافة التي أنتجته قبل أن يفد إلينا، ومن أجل أن يكون هذا الحكم أميناً كان يجب عليه الرجوع إلى «تصوره» في ذهنية من ابتكره، وليس في معناه المعرب، ولا بد أنه يدرك أن انتقال مصطلح من لغة إلى أخرى، قد يحمله معاني معرفية جديدة حسب تعدد الأبعاد الدلالية للمفردة في اللغة التي نقل إليها، وهذا ما أوقع الدكتور في هذا اللبس العلمي.
مصطلح «إرهاب» كما هو مستعمل الآن في اللغة المعاصرة هو ترجمة عربية تقريبية لمعنى «Terror» بالإنجليزية، وهذا المصطلح يستمد دلالاته من لغة غير لغتنا، وبالتالي يجب أن نفهمه لا بمعناه القاموسي في اللغة العربية، وإنما حسب مفهومه في اللغة الأصلية التي تم النقل منها ليمكن الحكم عليه بأمانة وعلمية، فمصطلح «Terror» في اللغة الإنجليزية وفي غيرها من اللغات المعاصرة التي نقلت هذا المصطلح من أصله الغربي يعني :« بث الرعب وترويع الآمنين، وإشاعة الذعر والخوف بين الناس من خلال الإخلال بالأمن في أوقات السلم وليس الحرب».
ودعك من المحاولات المغرضة والمتعسفة التي تحاول عبثاً إلصاق حركات التحرر الوطنية بالإرهاب لغاية في نفس يعقوب، والإرهاب بهذا المعنى لا يمت له النص القرآني الذي استدل به الدكتور الحوالي بأي صلة.
يقول ابن كثير في تفسير { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ما نصه: «قوله» ترهبون «أي تخوفون» به عدو الله وعدوكم»، ويقول ابن منظور في لسان العرب تحت مادة «رَهَبَ» ما نصه:« واسترهبه: استدعَى رَهبَتَه حتى رَهِبَه الناسُ» أي هابوه، فمعنى الإرهاب في الآية هو التخويف من أجل «الردع والهيبة»، وليس في ترويع الآمنين، وإشاعة القتل والدمار وخراب البيوت في السلم وليس في زمن الحرب، وهذا المعنى هو ما استقر عليه مصطلح «إرهاب» في عصرنا الحالي بعد أن أصبح مرادفاً عربياً لكلمة «Terror» في معناها الإنجليزي، والذي لا علاقة له بالتخويف من أجل الردع كما هو مدلول الآية.
يقول الدكتور هشام شرابي، بعد أن لاحظ هذه المآزق التضليلية في المصطلحات عندما يتم تعريبها في أحد مقالاته: «لقد أصبح واضحاً، خلال العشرين سنة الماضية، أن مجرد «ترجمة» الأفكار الحديثة ونقلها بواسطة تعابير عربية جاهزة أو مصنوعة لا يؤمن النقلة الفكرية التي تتم عادة بالترجمة من لغة غربية إلى لغة غربية»، ويواصل قائلاً في نفس السياق عن اللغة المترجم إليها أنها :«تخضع الفكر الجديد المترجم قاموسياً إلى نظام معانيها وتراكيبها الفكرية المهيمنة»، وهذا أس الإشكال.
وفي تقديري أن ما ذهب إليه فضيلة الدكتور الشيخ صالح الفوزان في تقسيم «الإرهاب» إلى «مذموم» وآخر «محمود» يحمل الكثير من الفقه وبعد النظر.
فالمذموم هو «الإرهاب» كما وفد علينا كمصطلح من الخارج، وفي المقابل فإن الإرهاب المحمود هو ما يقتضيه مفهوم الآية، التي جاء سياقها بمعنى «الردع والهيبة» كما بينت سابقاً.
أما التعميم بالقول أن الإرهاب هو جزء من الإسلام كما يذهب الدكتور الحوالي، فهذا لا يمكن قبوله بغض النظر عن قائله.
|