في مثل هذا اليوم من عام 1976م أدلى خادم الحرمين الشريفين ولي العهد آنذاك بحدث شامل للمجلة العربية التي تصدر في الرياض في عددها الثالث تناول فيه حفظه الله القضايا العالمية والعربية والداخلية المعاصرة حينذاك وموقف المملكة من هذه القضايا وقد استهل خادم الحرمين الشريفين حديثه بالرد على سؤال عن موضوع البترول باعتبار انه يشغل الرأي العام العالمي والعربي فقال: إن الدول المنتجة للبترول لا ترغب في خلق مشكلة عالمية لكن على البلدان الصناعية ان تكون منطقية في بحثها مع البلدان المنتجة للبترول وتمنى سموه - حفظه الله - ان يكون أي بحث في المستقبل بهذا الصدد مفيداً وبناء.
وحول سؤال عما إذا كانت أهداف جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه لا تتعدى نطاق المملكة قال الملك فهد: لم يكن عبدالعزيز بعد ان وحد هذه المملكة الزعيم الذي نذر نفسه لشعبه فقط.. ولكنه أدرك ان من حق الأمة التي عاش لها ان يهبها جهاداً في سبيل حق ونضال من أجل كرامة.. ومن هنا كانت مساهماته رحمه الله ومؤازرته لكل قضية عربية وحق إسلامي واجباً يؤمن به ويعمل على بذله وتعزيزه.
وحول ما تستهدفه خطة التنمية الخمسية الثانية في المملكة من تنويع مصادر الداخل الوطني قال الملك فهد: سوف نخطو بإذن الله خطوات واسعة في مجال التصنيع الحديث المتطور لتنويع مصادر الدخل الوطني وضمان الرخاء لأجيالنا المقبلة إن شاء الله.
وذلك بالإضافة إلى التوسع في الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية توسعاً أفقياً وعمودياً في آن واحد، وتطوير المرافق العامة والاستمرار في رفع كفاية القوات المسلحة براً وجواً وبحراً لتظل كما هي الآن قوة للإسلام والعروبة وعاملاً فعالاً ان شاء الله في قضيتنا الكبرى فلسطين.
ومضى - حفظه الله - قائلاً: ومن السياسة الاقتصادية التي قررتها المملكة القيام بتصنيع البترول والغاز ومشتقاته وتصديرهما في شكل منتجات مصنعة ولذلك فقد تضمنت خطة التنمية القادمة عدة مشروعات ومجتمعات ومصاف ومصانع لإنتاج المواد البترولية والبتروكيميائية على ساحل الخليج وعلى ساحل البحر الأحمر. وسنستمر في هذه السياسة بالقدر الذي تسمح به إمكاناتنا البشرية وتسمح به طاقة الأسواق العالمية المتوافرة لمنتجاتنا.
وعما إذا كانت المملكة تعتقد ان انعقاد مؤتمرات قمة دورية يمكن ان يودي إلى تقارب وجهات النظر بين العرب.. قال الملك فهد بن عبدالعزيز: إننا نرحب بكل اللقاءات مهما كان نوعها وحجمها، وفي يقيني ان تبادل الرأي والمشورة وجهاً لوجه لا ينتج عنه إلا الخير.. كل الخير.. والاختلاف في وجهات النظر إذا كان موجوداً هو ظاهرة صحية بشرط ان يظل في إطار الحكمة والمحبة والحوار الهادئ الصحيح والمصلحة العربية العليا.. لكنني أعتقد ان أية دعوة لعقد مؤتمر قمة جديد يجب ان تأتي في حينها عندما يرى قادة الأمة العربية ضرورة لعقد هذا المؤتمر.
ورداً على سؤال عن القدس المغتصبة قال الملك فهد: ان تحرير القدس واستعادتها عربية إسلامية هو في نظرنا واجب إسلامي محتم وأمانة في أعناق العرب والمسلمين فإن تم ذلك بالطرق السلمية، فالعرب والمسلمون أمة سلم ودعاة سلام. يرتكزان على الإيمان والحق والعدة.. وإلا فالجهاد في سبيل الله يصبح أمراً لا مفر منه.
وفي هذا الصدد أكد - أعزه الله - ان قدرة العرب عسكرياً وسياسياً في أيديهم وحدهم. فهم الذين يستطيعون جعلها تنمو باستمرار لتصبح قدرة لا تجابه وهم يستطيعون ان يقفوا بها عند حد.
وعن موقف المملكة من القضية الفلسطينية ذكر الملك فهد ان المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز كان أول من دعا إلى ان يتولى الفلسطينيون زمام قضيتهم بأنفسهم. وقد أثبتت الأيام حكمة وواقعية هذا الرأي الحصيف. والمملكة ملتزمة بالمبادئ الأساسية التي وضعها جلالة الملك عبدالعزيز في سياستها العربية والإسلامية والدولية.
وأعرب الملك فهد عن سروره لأن الاخوة الفلسطينيين ينهضون حالياً بمسؤولية قضيتهم التي هي قضية المملكة أيضا التي تؤيدهم وتدعمهم فيما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وعما إذا كانت المملكة تؤيد إنشاء حكومة فلسطينية - أكد يحفظه الله - ان المملكة تؤيد ذلك إذا ما رأى الفلسطينيون ان الوقت قد حان لتشكيل هذه الحكومة. وعندئذ ستؤيدها المملكة وتسعى إلى دعمها بكل الطرق حتى تحقق الأهداف المنشودة منها.
وأشار الملك فهد في حديثه إلى مستقبل القضية الفلسطينية بقوله ان هناك جملة حقائق تحيط بالموقف وهي ان هناك شعباً فلسطينياً شرّد وأخرج من بلده بقوة السلاح.. وأي تصور منطقي لا بد وان يدخل في حسابه ضرورة عودة هذا الشعب إلى أرضه.
وهناك أيضا دولة عنصرية متعصبة هي اسرائيل قامت على الاغتصاب والعدوان وأثبت تاريخها الدموي خلال أكثر من ربع قرن انها لا تريد التوقف عن العدوان ولا الكف عن التوسع والاغتصاب ومن أبسط واجبات المجتمع الدولي ان يوقفها عند حدها. كما ان هناك عشرات القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة وهي تمثل الحد الأدنى لما يجب ان يكون عليه الأمر لإحلال ما يمكن ان يسمى سلاماً عادلاً وان كان في الواقع غير عادل في المنطقة. وعلى ضوء هذه النقاط جميعها أتصور ان التساؤل عن مستقبل الوضع وطريقة إحلال السلام من قبيل تحصيل الحاصل.
فإذا أرادت اسرائيل السلام فالطريق معروف وإذا أرادت الحرب فالطريق أيضا معروف.
والمملكة تساند أي جهد يهدف إلى إقرار سلام عادل ويكفل انسحاب الكيان الصهيوني من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس ويعطي للشعب الفلسطيني جميع حقوقه بما في ذلك حقه في تقرير مصيره.
وعن دور المملكة في التضامن الإسلامي قال خادم الحرمين الشريفين ان المملكة العربية السعودية باعتبارها قبلة المسلمين وبلد المقدسات هي الأمينة على مقدرات هذه الأمة الإسلامية ولذلك فإننا نعتقد اعتقاداً جازماً وأكيداً ان وسيلتنا لإظهار قوة هذا العالم الإسلامي إنما تكون من خلال تضامنه حتى نستطيع الوصول إلى أهدافنا.
ورداً على سؤال عن علاقة المملكة بدول الخليج والجزيرة العربية الشقيقة أكد خادم الحرمين ان الوضع الجغرافي للمملكة في قلب الجزيرة العربية يلقي عليها بعض الالتزامات تجاه جميع أبناء الجزيرة العربية سواء كانوا في المملكة أم في الكويت أم في اليمن أم في عمان أم غيرها.
وأضاف ان شعور المملكة بذلك ينبع من إدراكها بوحدة مصير أبناء الجزيرة العربية واتحاد مصالحهم وتلاحم أراضيهم ووحدة تراثهم وتاريخهم ووحدة عقيدتهم إلى غير ذلك من الروابط والأواصر التي تشدهم بعضهم إلى بعض.
ومضى قائلاً: ومن ناحية أخرى فان ترابط الجزيرة وتماسك أبنائها فيه قوة ودعم للعالم العربي جميعه. وتحقيق هذه الغاية يتطلب تضافر جهود جميع دول الجزيرة. وأكد ان المملكة ستتحمل وهي راضية كل التزاماتها في هذا السبيل بما يتلاءم مع حجمها في الجزيرة ومع إمكاناتها ولن تدخر جهداً أو مالاً في هذا المجال.
|