تحاول هيئات ومنظمات وربما دول - حول العالم - النيل من وحدة مجتمعنا السعودي العريق لأغراض وأطماع مشبوهة معلومة، يدعمها في ذلك ما ينأى كثير منّا عن الخوض فيه من وجود مثالب ومواطن ضعف في نسيجنا المجتمعي، بشكل مثلت فيه تلك المثالب والمواطن «هدف فرصة» لمن نذروا أنفسهم للتربص بشعوب العالم، وتحسس كياناتها ومُركَباتها، حتى الموغلة في الخصوصية منها، فإذا ما كشفت مراكز البحث الاستراتيجية لديهم عن وجود هشاشة ما في شيء من تلك المكونات أو المركبات لأي دولة هاجموا ذلك المكوِّن أو المركب المجتمعي مستندين الى دلائل عديدة ومنطقية، جازمين بامكان قبولها من لدن كثيرين داخل المجتمع الذي تتم مهاجمته أو خارجه. ولذلك فنحن أمام «لعبة الكبار» وفي «معترك الحسابات الدقيقة» ولسنا أمام صولة متعاظمين أو مكابرين كما كانت جارتنا الغالية قبل عقد ونيف من الزمن. ومما يزيد الأمر حساسية وأهمية وخطورة، أن محاولة أقطاب الاختراق الدولي تحقيق هجمة منظمة على المجتمع السعودي قد أخذت - من جانب - أبعاداً شتى ثقافية واجتماعية، وهي - من جانب آخر - تكتسب أهمية من نوع خاص كونها تمثل تحولا دراماتيكيا خطيرا في نسيج علاقات رسمية وشعبية متبادلة استمرت لعقود ساحقة.
إن القناعة بمستوى المفارقات العظيمة التي تتكون منها طبيعة الهجمة متعددة الجنسيات «متفقة المصالح» على المجتمع السعودي المعاصر، والايمان العميق بأننا أمام أزمة حقيقية «ثقافية - اجتماعية»، لأمر يحتاج مهارة عالية جداً لاتقان منهج ادارة الأزمات المجتمعية، بطريقة تجعلنا ننظر الى هذا المعترك نظرة واقعية ندرس خلالها ما لنا وما علينا، محاولين أن نجيب عن سؤال عظيم الأهمية في هذه الأزمة: كيف تشكلت ثغرات الاختراق الدولي للكيان الاجتماعي السعودي؟ وللإجابة عن هذا السؤال، ينبغي النظر الى الإشكالية بتجرد وموضوعية قدر الامكان، إذ ليس من مسوغات تحقيق المصلحة أن ننأى بالتفكير والنظر والطرح بعيدا عما حولنا، بل لابد من فحص مكامن ومواطن الاشكالات الذاتية ليسوغ لنا - بعد ذلك - التوجه الى خارج كياناتنا الخاصة. ورغم أهمية أطروحة «الاستهداف» وقوة مبرراتها، إلا أن الحديث حولها قد اتسم بكثير من التراكمية.
لذا، سأعرض - بإيجاز- خلال حلقات سبع قادمة، الأسباب الداخلية الرئيسة، التي أعتقد أنها قد ساهمت بدور فاعل في تشكيل ثقافة الاختراق تلك، مستندا الى أهم المواطن الذاتية التي كونت ثقافة الاختراق لدى القوى الدولية، المدعومة بنهم السيطرة على مقدرات المنطقة الاقتصادية، والمشحونة بنزعة العدوان التوسعية لدى الكيان الصهيوني، في عالم تسوده سنة التفاعل سلما، والصراع عنفا، والبقاء فيه للأقوى. وهي مواطن مهمة للغاية لم يكن ليتح للأجنبي أن يجرأ على منازلتنا من خلالها لو أننا كنا أقدر على تلمس احتياجاتنا الحقيقية بتجرد وموضوعية، ولو أننا كنا - كمجتمع متعدد الكيانات والمؤسسات - أقدر على استيعاب الآخر من بيننا والآخر من غيرنا. وستمضي سنة الله ألا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام بالرياض
|