تتنوع عادات الشعوب في التعبير عن أفراحها وفي إقامة مناسباتها من حيث الأسلوب،ويعود ذلك للعادات والتقاليد التي لها دور كبير في اختيار النمط في المناسبات والأعياد. وقد كانت الأعياد في مجتمعاتنا تتميز بالأسلوب التقليدي البسيط بعيداً عن التكلف، حيث يتم افتراش الطرق والشوارع بين المنازل في الحي الواحد ويكتفي بتناول وجبة شعبية تعتمد على المواد المتوفرة بالمنزل، ويشترك في تناولها جميع الجيران من كبار السن والشباب والأطفال، تحمل في طياتها الطابع الاجتماعي المتمثل بالبساطة والألفة والروح الجماعية بعيداً عن تحمل المسؤولية الفردية لهذا الجمع الغفير، ويطمئن المجتمع لهذا الأسلوب لاتباع الشرع فيه، حيث الزخم العاطفي والحميمية والمشاعرالصادقة التي يلمسها الغرباء والمارون بالطريق، وليس من المستغرب أن ترى مشاركة الوافدين من المسلمين وغيرهم حيث يجدون في هذا التجمع المعنى الرفيع للتعاون والتآلف والتكافل الاجتماعي. على الرغم من التكاليف الزهيدة البعيدة عن الإسراف والتبذير. وغالباً ما تنتهي الفعاليات في وقت باكر حيث ينفض الجمع ليقوموا بزيارة أقاربهم وصلة أرحامهم في الأحياء الأخرى أو في القرى والمدن القريبة منهم.
وبعد ظهور الطفرة الاقتصادية بدأ المجتمع يتخلى عن هذا العرف الجميل، وصار الجيران لا يكادون يرون بعضهم طيلة العام! وفي صبيحة يوم العيد تتحول الأحياء إلى أماكن يسكنها الأشباح ليتم في المقابل التشغيل الكامل للاستراحات وأماكن المناسبات وما يصاحبها من شكليات تتمثل بالنفقات والتكاليف المرتفعة من مأكولات ومشروبات مع افتقادها الحميمية المطلوبة بين الأقارب، حيث يحضر البعض لإثبات الحضور ومجاملة للعائلة فحسب! وأحياناً يقتصر الاجتماع على الرجال فقط. أما النساء فيجئن ليالي العيد بمفردهن بأماكن بعيدة وبمعزل عن الرجال مما يعرضهن للخطر ولاسيما أن الفعاليات تبدأ بعد صلاة العشاء، وتمتد لساعات متأخرة من الليل، أما الشباب فيعمدون بتعبيرهم عن فرحة العيد بسلوكيات خاطئةٍ قد تعرِّضهم وتعرِّض غيرهم لمخاطر لاتُحمَد عقباها مثل تعطيل حركة السير في الشوارع والتحلق بالسيارات، إضافةً إلى مضايقة الأسر في الأماكن الترفيهية وكذا المنتزهات العامة والمطاعم العائلية، وأثناء سيرهم في الطرق لقضاء متطلباتهم أو تواصلهم مع أقاربهم!! والأمر يسري على الأطفال الذين يكون تعبيرهم عن العيد بإطلاق الألعاب النارية وما تحمله من خطورة عليهم وأذى لغيرهم بعيداً عن الرقابة الأسرية التي تكون غائبة في مثل هذا اليوم مع ضرورة حضورها فيه بالذات.
وعليه.. لابد من وضع إطارٍ للفرح لا يخرج عن حدوده حتى ولو كان الأمر في أساسه تعبيراً عن الشعور بالسعادة. لأنه يكون بذلك قد تجاوز الهدف منه بل إنه قد غيَّر المعنى الجميل للعيد والفرح والأمن إلى معانٍ وأبعاد أخرى. ولعلنا نطالب الجهات المختصة بدور أكبر يبدأ بدراسة ظاهرة المبالغة بالاحتفال بالأعياد من قبل أصحاب الخبرة ليمكن تأسيس موقف اجتماعي موحد بعيداً عن العشوائية.
ص.ب260564 الرياض 11342
|