هل تصدقون أن صحيفة «يوميوري» اليابانية وزعت هذا اليوم أكثر من أربعة عشر مليون نسخة ونفس الرقم وزعته ليوم أمس.. ومنذ حوالي عشر سنوات وهي توزع في نفس المعدل تقريباً.. وهي بهذه الأرقام تمثل الصحيفة الأكثر توزيعاً في العالم.. وقد استطاعت هذه الصحيفة ان تتجاوز صحيفة يابانية أخرى هي صحيفة «أساهي» التي كانت هي الصحيفة الأولى في العالم لفترة زمنية.. ونعلم ان احدى الصحف الأكثر انتشاراً في العالم كانت صحيفة «برافدا» السوفيتية، عندما كانت الصحيفة الأولى في المعسكر الشيوعي، حيث كانت توزع حوالي العشرة ملايين نسخة يوميا باعتبارها صحيفة الحزب الشيوعي السوفيتي.. وكان ما ينشر في هذه الصحيفة يمثل سياسات وايديولوجيا وصناعات رأي في العالم.. أما اليوم فلم يعد لهذه الصحيفة شأن يذكر في العالم، بل حتى في جمهورية روسيا الاتحادية.. وظلت الى اليوم صحيفة الحزب الشيوعي الروسي، إلا انها صحيفة اقلية تمثل حزباً ضعيفاً متهالكاً.. ولهذا لم يعد توزيعها يتعدى مئات الألوف.
وحسب أحدث ما نشر من أرقام توزيع الصحافة الأمريكية، فإن صحيفة «USA Today» احتلت المقدمة بين الصحف الامريكية، بتوزيع يومي يصل الى مليونين وربع المليون.. وتقدمت هذه الصحيفة التي صنعت اتجاها حديثا في الصحافة العالمية منذ تأسيسها عام 1982م على كبرى الصحافة الامريكية.. فقد كانت صحيفة «Wall Street Journal» الصحيفة الاقتصادية الأولى في العالم تمثل الصحيفة الأكثر توزيعا في الولايات المتحدة، إلا ان صحيفة USA Today قد تجاوزتها، أو لنقل ان الصحيفة الاقتصادية قد تراجعت الى الوراء قليلاً ليصل توزيعها اليومي إلى حوالي المليون وثمانمائة ألف نسخة.. وتأتي ثلاث صحف شهيرة في المراتب الثالثة والرابعة والخامسة على التوالي: نيويورك تايمز، لوس انجلس تايمز، واشنطن بوست، حيث توزع نيويورك تايمز مليوناً ومائة ألف، بينما تزيد لوس انجلس تايمز قليلاً عن التسعمائة ألف نسخة، وتصل الواشنطن بوست الى حوالي الثلاثة ارباع المليون، ويأتي ضعف هذه الأرقام الامريكية مقارنة بالأرقام العالمية نتيجة ان الصحافة الامريكية لا توجد بها صحف وطنية كثيرة توزع على مستوى جميع الولايات.. والمقابل ان معظم الصحف هي صحف اقليمية او محلية.. فمن 1400 صحيفة يومية توزع في كل الولايات المتحدة، لا توجد إلا أربع صحف وطنية توزع على مستوى كل الولايات هي:
USA TODAY, WALL STREET JOURNAL, NEW YORk TIMES, LOS ANGELES TIMES
وبشكل اجمالي وتقريبي فإن عدد النسخ التي توزع يوميا في الولايات المتحدة تصل الى حوالي ستين مليون نسخة، أي بنسبة تصل الى حوالي ربع عدد السكان الأمريكيين.. وهذه نسبة كبيرة مقارنة بدول كثيرة في العالم، إلا انها ليست الدولة الأولى في العالم، حيث ان النرويح هي التي تحتل الدولة الأولى التي توزع نسخاً من يومياتها أكثر من أي دولة في العالم مقارنة بعدد السكان، حيث تصل الى حوالي ثمانمائة نسخة لكل ألف من سكانها، وتأتي اليابان ثانياً، حيث تصل النسبة الى اكثر من سبعمائة نسخة يوميا لكل ألف من سكانها.
وماذا عسانا نقول عن صحافتنا.. من ناحية عدد الصحف، وارقام التوزيع.. فمجتمعنا اليوم يحتضن تسع صحف بالعربية وصحيفتين بالانجليزية باستثناء صحف الشركة السعودية للأبحاث والنشر.. وهذه الإحدى عشرة صحيفة يومية هل نقارنها مثلاً بـ1500 صحيفة يومية تصدر في بريطانيا، او 1400 صحيفة تصدر من الولايات المتحدة، او 110 صحف يومية تصدر في اليابان.. او حتى حوالي 240 صحيفة يومية تصدر من بنجلاديش او 67 صحيفة من ماليزيا.. نحن نقف اليوم على اعتاب 11 صحيفة يومية، ولكن معظم هذه الصحف تصل إما الى حد الفقر، او الى حد الكفاف.. وتظل عدة صحف فقط هي التي تستحوذ على ارقام التوزيع ومعدلات النجاح العام في الصحافة السعودية.
وبخصوص التوزيع في صحافتنا السعودية، فهو من الأرقام السرية التي لا يمكن ان تبوح بها الصحيفة، ولا يعلم بها إلا رئيس التحرير والمدير العام ومدير التوزيع كمصادر رسمية في كل صحيفة.. على الرغم من ان كل صحف العالم تعلن عن ارقام توزيعها الى الملأ.. والى شركات الاعلان المحلي والدولي والى القراء فكل صحيفة مشتركة في المكتب «العالمي» لمراجعة التوزيع المعروف باسم ABC، واذا تناسينا التوزيع الفردي لكل صحيفة اتجهنا الى التوزيع الجماعي لكل صحفنا اليومية، فإننا نلاحظ وحسب تقديرات الاحصاءات العالمية تدنيا كبيرا في ارقام توزيع الصحف اليومية السعودية.. فلو شبهنا المملكة بدولة مثل الولايات المتحدة من حيث ان التوزيع اليومي للصحف يغطي نسبة ربع السكان، لوجدنا ان توزيع صحفنا ينبغي ان يصل الى خمسة ملايين نسخة يومياً، أما إذا شبهنا المملكة باليابان مثلا التي توزع نسخاً يومية تصل الى ثلاثة ارباع السكان، فمن المفترض ان توزع المملكة خمسة عشر مليونا من النسخ اليومية للصحف السعودية..!!
ولكن الحقيقة مؤلمة.. والأرقام متدنية.. وقد أشار عدد من الدراسات الاكاديمية إلى ان نسبة التوزيع اليومي لصحافتنا السعودية لم تتعد خمسمائة ألف.. وهذه أرقام متفائلة.. وبعض المراجع تشير الى حوالي نصف هذا الرقم واذا صح ذلك تكون هناك كارثة فعلية في مستوى القراءة اليومية في مجتمعنا.. فلو افترضنا مثلا ان النسخ اليومية الموزعة تصل الى حوالي خمسمائة ألف نسخة، فتكون النسبةالتي توزع خمساً وعشرين نسخة يوميا لكل الف من سكان المملكة.. أما إذا اعتمدنا الارقام المتشائمة فتكون النسبة حوالي اثنتي عشرة نسخة لكل الف من السكان.. وهذه ارقام ضعيفة جداً جداً..
وقد نسأل هل لدينا مشكلة الصحافة بما تقدمه او لا تقدمه على صفحاتها، ام لدينا مشكلة في عدم وجود قارئ يلتهم ما تقدمه وتعرضه الصحف اليومية.. وماذا عسانا نقول عن الشركة الوطنية للتوزيع.. وهل تحتل أي دور في امكانية رفع ارقام توزيع الصحافة السعودية.. هذه اسئلة تحتاج الى متابعات.
(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصالأستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود
|